miércoles, agosto 31, 2011

مع حسن بيريش حول كتابه «شكري.. وأنا»

طباعة ارسال لصديق

مع حسن بيريش حول كتابه «شكري.. وأنا»


طنجة: ع.ت
مساء يوم الإثنين 28 فبراير 2011، بمقر مندوبية وزارة الثقافة بطنجة، سيكون الجمهور الثقافي على موعد مع الكاتب الصحافي حسن بيريش لتقديم وتوقيع كتابه الجديد «شكري.. وأنا»، الصادر عن مؤسسة إفزارن للطباعة والنشر بطنجة.
اللقاء من تنظيم ملتقى الدراسات المغربية والأندلسية (آداب تطوان)، وفرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة، ونادي 21، وجريدتا «الشمال» و«طنجة»، وملتقى المتخيل المتوسطي، ومندوبية وزارة الثقافة بطنجة.
اللقاء الثقافي مع الكاتب حسن بيريش، سيشهد إلقاء كلمات وعروض احتفائية بكتاب «شكري.. وأنا»، بمشاركة الأساتذة: خالد مشبال، عبد اللطيف شهبون، مزوار الإدريسي، محمد سدحي، محمد المسعودي، عبد اللطيف الزكري، رشيد أمحجور، وخالد الريسوني.
يشار إلى أن حسن بيريش، يعمل حاليا سكرتيرا لتحرير جريدة «الشمال»، وهو عضو في اتحاد كتاب المغرب (مقرر فرع طنجة)، وعضو المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بطنجة، وصدرت له عدة كتب في الأدب والسياسة، ويعد كتابه الجديد «شكري.. وأنا»، الكتاب الثاني حول الأديب الكبير الراحل محمد شكري، بعد كتاب «هكذا تكلم محمد شكري»، الصادر سنة 2001 بطنجة.

حفظا للذاكرة.. عبد اللطيف شهبون

حفظا للذاكرة..

عبد اللطيف شهبون

في مقام أول.. يضعنا محمد العسري في هذه المذكرات*/ الشهادة أمام بيان يؤكد فيه:
ـ مطلبا ذاتيا لتدوين ماعاشه من أحداث مروعة «بصدق وأمانة دون زيادة أو تضخيم أو نقص أو هروب من الحقيقة..»
ـ استجابة لرغبته في البوح، مغالبة لعدم مطاوعة الكتابة.. ورهانا على استخراج المختزن في ظلال ذاكرة موشومة بالعنف.. وصاحبها على مشارف عمر آذن بالبين..
ـ اعتماده على سرد متدرج ومتساوق مع مراحل عمرية ومع مجريات مواراة بالقمع..
ـ تقديمه لشهادة ذات وجهين: وجه عفوي بريء.. ووجه مسؤول مصر على الإخبار بالأهوال والفظاعات.. في مغرب الجمر والرصاص..

حفظا للذاكرة..


عبد اللطيف شهبون

في مقام أول.. يضعنا محمد العسري في هذه المذكرات*/ الشهادة أمام بيان يؤكد فيه:
ـ مطلبا ذاتيا لتدوين ماعاشه من أحداث مروعة «بصدق وأمانة دون زيادة أو تضخيم أو نقص أو هروب من الحقيقة..»
ـ استجابة لرغبته في البوح، مغالبة لعدم مطاوعة الكتابة.. ورهانا على استخراج المختزن في ظلال ذاكرة موشومة بالعنف.. وصاحبها على مشارف عمر آذن بالبين..
ـ اعتماده على سرد متدرج ومتساوق مع مراحل عمرية ومع مجريات مواراة بالقمع..
ـ تقديمه لشهادة ذات وجهين: وجه عفوي بريء.. ووجه مسؤول مصر على الإخبار بالأهوال والفظاعات.. في مغرب الجمر والرصاص..
نقف مع هذا السارد المنتمي إلى جيل ظمإ منذور بالقضية.. على حدود آلام ذاتية وغيرية.. نسافر معه في تجاويف ذاكرته.. نتعرف إليه منذ ميلاده ونشأته بحي ريف الأندلس بشفشاون، ونتابع مسيره الدراسي في المرحلة الابتدائية بين شفشاون وتطوان.. وفي المرحلة الإعدادية والثانوية بين هذين الفضاءين الحضاريين المتكاملين..
يحدثنا محمد العسري ـ وهو يعيش طفولته بشفشاون ـ عن تلك المسافة الهشة بين بشارة الاستقلال وماكان يحلم به الناس من غد وخلاص.. وبين الحقد الأعمى وإهدار كرامتهم وانتهاك حقوقهم والتطاول عليهم من طرف الحزب المهيمن.. لم تكن زعامات الحزب الأقوى تؤمن يومذاك بأن تحرير الشعوب رهين بتحرير القلوب..! وهكذا عرف المغرب سياسة الانتقام والاغتيال والسحق والمحق لكل من سولت له نفسه معارضة سياسة الحزب الواحد حتى تحولت النهارات ليالي مغولية والأراضي مقابر جماعية.. حدث هذا كله في فجر الاستقلال وبعده.. ثم اتسع الطوق اطرادا..
كان الناس ينتظرون أن ينثال حب الوطن عليهم مادامت جوارحهم ساجدة له.. فإذا بطوفان القمع يبدأ منذ استقلال البلاد!
في قراءة هذه المذكرات/ الشهادة صيد وافر لكم هائل من المعلومات حول:
ـ ملابسات الخدمة العسكرية التي كانت تشكل جزءا من استراتيجية الجنرال الدموي محمد أوفقير للاستيلاء على الحكم في البلاد.
ـ حياة المنظمة الطلابية العتيدة «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب».
ـ أحداث مارس 1965 بالبيضاء.
ـ نضالات الجامعة..
ـ فظاعات القمع البوليسي (رصدا.. اعتقالا. استنطاقا.. تعذيبا.. اغتيالا) في مفوضيات بوليسية ومراكز سرية ومؤسسات سجنية.. مما أدى إلى تناثر أعمار شباب لم تكن لهم من جناية سوى جناية الحلم!
في هذه السيرة بسط لمقامات الحزن والألم الذي عاشه محمد العسري في جلده وهو في ضيافة جلادين استبطنهم دون أن يتمكنوا من استبطانه.. وشرحهم دون أن يتمكنوا من تشريحه.. وسماهم.. ومازال يختزن قولا سيأتي قريبا.. حسبما صرح به في آخر جملة من حكايته هذه..
تفاصيل كثيرة للسارد وهو في أتون الخدمة العسكرية.. وفي مفوضية الشرطة بالقنيطرة.. وفي درب مولاي الشريف نزيل «حجيج» كان يدمر الأجساد والأرواح..!
هذا نص بقدر ما هو معجون بآلام الذات والذوات.. يتساءل بمرارة: ألا يكفي كل هذا الجراح لبناء مستقبل جديد؟
وأنا أقرأ هذا النص توقفت عند هذا المشهد المروع:
«..
في ليلة باردة من ليالي نوفمبر 1974 حضر في حالة سكر تام (يقصد الجلاد عبد الله البيضاوي).. وفي الثانية بعد منتصف الليل.. وتوجه إلى الزنزانة التي كنت بداخلها وحيدا.. أخذ مسدسه، ووضع بداخله بعض الرصاصات، وثبت فوهته في رأسي محاذيا الأذن اليمنى، أدخل أصبعه في المكان الذي يوجد به الزناد وطلب مني أن أصرح بأن الصحراء ليست مغربية..»!
كتاب «صور من زمن الرصاص»، عن منشورات سليكي إخوان للطباعة والنشر.

ثانوية القاضي عياض عبد اللطيف شهبون

ثانوية القاضي عياض

عبد اللطيف شهبون

في نهاية السنة الدراسية 1960 ـ 1961 أنهيت دراستي بمدرسة مولاي إسماعيل بتطوان، واجتزت امتحانيْ الشهادة الابتدائية بمدرسة مولاي الحسن، والالتحاق بالثانوي بثانوية القاضي عياض بتطوان.
في فاتح أكتوبر 1961، أصبحت تمليذا منتظماً بها..
كانت الثانوية فضاء هندسيا بديعا.. ومجمعا تربويا وتعليميا وظيفيا ومتكاملا (حديقة غناء.. قاعات فسيحة.. مكتبة عامرة.. مختبر مجهز.. مسبح مشغَْل.. ملاعب رياضية واسعة.. قاعة فريدة للعروض.. لوحات زيتية نادرة، وتجهيزات رفيعة..).
كنا ندرك بحواسنا مباهج ثانوية القاضي عياض مسترفدين من دروس أساتذة كبار تخرجوا من مؤسسات علمية وجامعات مغربية ومصرية وسورية وعراقية وجزائرية وإسبانية..
كانت شروطنا التربوية والتعليمية نموذجية هيأت للمغرب أطرا عليا في مختلف المجالات..
عُدتُ إلى ثانوية القاضي عياض في الأسبوع المنصرم، بعد تخرجي منها في يونيه 1967.. عدت إلى هذا النبع، وأنا أدركه بطريقة مُخالفة لإدراكي الأول، وأنا في سن الحادية عشرة..
أدرك هذا الفضاء الآن من خلال كينونتي الذاتية، وما يفيض منها من رغبة شديدة في الاستمداد العاطفي.. مازال فضاء القاضي عياض محتفظا بسمات وأرواح أهله الراحلين من إداريين وأساتذة وتلاميذ..
مازلت أحِسُّ بقرب من أحببت.. ورعاية من هداني قلبي إليه.. مازلت أتذوق أسرار معان، وألابس مظاهر مبان..
عاينت في الأسبوع المنصرم حقيقة ثانوية القاضي عياض، فانبسط فضاؤها أمامي، حتى ساعدني على استحضار ماهيات وقيم ونماذج إنسانية من صندوق ذاكرتي.
استغرقني حال من الحزن وأنا أمام منظومة التلاشي التي تم تصريفها في هذه المعلمة.. التي حاضر بها سلامة موسى في بداية خمسينيات القرن الماضي، وأنشد فيها نزار قباني قصائده في منتصف الستينيات.
القاضي عياض معلمة سامقة بدأت نواة تأسيسها بعد صدور ظهير خليفي سنة 1940. تولى إدارتها خلال ثلاث سنوات (1941 ـ 1942 ـ 1942 ـ 1943 ـ 1943 ـ 1944 ) في مقر مؤقت هو المدرسة الأولية للشغل Escuela Elemental De Trabajo. بجوار دار الصنائع بباب العقلة الفقيه الرهوني، وعندما تقرر نقلها إلى مبناها الحالي، ـ وهو وقتئذ ضمن مشمولات نيابة التربية والثقافة سنة 1944 ـ 1945 ـ تولى إدارتها الفقيه المؤرخ محمد داود،لتسند هذه المهمة ابتداء من السنة 1945 ـ 1956 إلى الأستاذ محمد عزيمان.. وفي استهلال السنة الدراسة 1952، آلت المهمة إلى الأستاذ محمد مشبال..
إن أهم ما تحتفظ به ثانوية القاضي عياض بتطوان، هو أرشيف هيأة الإدارة والتدريس وأجيال التلاميذ..وكم سعدت عندما اطلعت على ملفي الذي كتب في إحدى صفحاته.. «تلميذ يميل إلى الكسل رغم ذكائه».
استغرقني أَيْنِي وبَيْنِي في هذه الزيارة التي اغتنيت بها.. هي ذي ثانوية القاضي عياض، شجرة يقين أثمرت شفوفا ومنحت كشوفا لأجيال.. هي شجرة يقين مازالت حروفها فائضة بالمعرفة والعرفان..

في البستان..!

في البستان..!

حمل إلي الفاضل المختار التمسماني بشارة مناولته إياي نسخة من تلك الترجمة الفريدة التي أنجزها المرحوم الدكتور محمد بوطالب لنص الصلاة المشيشية إلى اللغة الإنجليزية.. فأجرى في نفسي شعورا غامرا لاستعادة تلك الترجمة.. بل استعادة تلك الأجواء الروحانية التي عشناها في شفشاون المنورة ربيع 1999 بمناسبة انعقاد ندوة «أبي الحسن الشاذلي وتراثه» كانت قد أعدتها مجموعة بحث منتسبة وقتئذ إلى شعبة اللغة العربية بآداب تطوان.
في شفشاون بستاني الصوفي قدم كل متحدث (ة) نبتَةَ إشارة.. جوْهَر كلام.. أو لُبّ ثمار قراءاته ومراجعاته ومطالعاته التاريخية والثقافية والفكرية والإبداعية والبحثية المقارنة.. والترْجَميّة.
كنا في برنامج تلك الندوة أسماكا في بُحْران الشاذلية.. وكان السِّي عبد الكريم الطبال أول سابح عارف رحل بنا نحو عوالم الشاذلية في حضرة ابن مشيش.. قدم نهج صحبة الشاذلي للمولى عبد السلام بن مشيش، وملازماته وتدرج مقاماته حيرةً وسياحةً وعرُوجًا ورؤيا.. من السنّي إلى الأسنى.. إلى الأسْمى.. بمعارف تلقى في القلوب والبصائر.. أواني الحكمة العتيقة الصادقة الصافية.
دعتني بشارة السّي المختار إلى استعادة بعض من ذلك الظمأ العرفاني اللاّيُرْوى!
في جلسة رابعة أدارها الصديق عبد الله المرابط الترغي كان مقررا أن يتناول فيها الحديث المرحومان محمد بوطالب وعبد العزيز خلوق التمسماني وسعاد الحكيم وميلودة الحسناوي وكاتب هذه اللمحة..!
في محاولة مني الوقوف على أبي الحسن الشاذلي في آثار الدراسين الإسبان نَمذجْتُ أسين بلاثيوس اعتبارا لكمًّه الهائِل من البحوث التاريخية والفلسفية والدينية والأخلاقية. حتى إن مجموع ما أنتجه بين سنوات 1898 و1943 يربو عن ستة وأربعين ومائتي عمل.. وهو بالتالي من أكبر رؤوس الاستشراق الإسباني.. وتوقفت على ماقام به بين سنوات 1944 و1951 في موضوع محدد هو التصوف المقارِن.. حيث تركز اهتمامه في تقويم امتداد الفكر الشاذلي في مستوياته المشرقية والأندلسية الإسلامية والنصرانية..
كان منطلق البحث عند بلاثيوس واقعة تلك المفاجأة الحية التي أحدثها داخل الأندلس بروز متعبدين.. نعتوا بالإشراقيين المنقطعين المنعزلين أو الأرثودوكس المهرطقين..!
قضى بلاثيوس ثمان سنوات في إعداد دراسته المستفيضة والمقارنة بين الشاذليين وزمرة الإشراقيين، مراجعا مصادر إسلامية في التصوف من لطائف.. وتنوير.. ومفتاح.. ومفاخر.. وشروح.. وطبقات.. وحيوات.. وأقوات.. ومخطوطات غميسة وكان تعامله بارزا في ثلاث مستويات..
. الترجمة مع ما تحمله هذه المغامرة من ترجمة نصوص منسوجة مدلولاتها في أثواب لغة عليا..
. المقابلة بما تعنيه من مقابلة أشباه بنظائر في متون إسلامية ومسيحية..
. الخلاصات بما هي توكيد للأهداف المرسومة والغايات المسطرة في الخطاب الاستشراقي الإسباني:
ــ بناء الذات النصرانية
ــ الدفاع عن هوية الغرب
ــ رد الاعتبار للفكر الإسباني
ــ اعتبار كل ذلك جزءا من التراث الأندلسي.
لم يخرج بلاثيوس عن هواجس القائلين بأن ما أنتجه المتصوفة المسلمون يعود إلى أصول التصوف المسيحي.. وتحميل المسؤولية فيما عرفه التصوف المسيحي من مظاهر هرطقية وانحرافات إلى الفكر الصوفي الإسلامي..
يجتهد بلاثيوس لتوضيح بعض الجذوع المشتركة بين التصوف الشاذلي والتصوف المسيحي من حيث النظر إلى الإنسان بذاته وليس بصفته المتقوقعة في ديانة ما. ومن هذه الفكرة العامة يبسط بلاثيوس مفاهيم الصلاة، والإلهام بمتعلقاته الغيبية والذهولية والشطحية، والتلويح بمقارنة بين الشاذلي وسانْتَا طريسا باعتبارهما ممثلين لمدرسة واحدة هي مدرسةالروح مرآة وينبوعا..
وما يؤكد الفهم العميق لبلاثيوس لمنظومة التصوف إبحاره في تجلية مقام الشكر وموضوعات القبول والنية والحب الإلاهي وتوقفه مفسرا معلقا على ما صدر عن أبي الحسن الشاذلي أخذا عن شيخه ابن مشيش في هذا الباب وفي موضوعة التأمل الذي يعتبره بلاثيوس سعادة وطريقا ومناجاة ورؤية لله في الأشياء.. ورؤية للأشياء في الله..
كانت مشاركتي في ندوة شفشاون رحلة روحية إلى فضاء رمزي أنتمي إليه بكليتي.. مكنتني من تجديد الاستمداد من ينابيع صوفية، وأتاحت لي التعرف إلى بعض الأجلاء من أمثال المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمان.. وهو من ذوي المواهب الثابتة والتكوين الروحي الخاص..
في رحاب الزاوية الشقورية أقيمت حلقة ذكر خرجت فيها أرواحنا من تراكيبها إلى روحانية سربت لذة إلى أوانينا.. أدرك معناها من وقع في ذلك المشهد..
شكرا سيدي المختار فأنت باعث هذا الكلام ببشارتك.. أجدد لك طلبي بطريقة الإيماء بالرأس وإشارة اليد:
«واحد المشيشية..»!

lunes, agosto 29, 2011

المقدس الديني, والمقدس البشري في شعرنا القديم صدر أخيرا (ديوان) للشيخ أحمد بن عبد القادر التستاوتي في جزئين يحتويان على 963 صفحة

المقدس الديني, والمقدس البشري في شعرنا القديم

د.عبد السلام شقور

صدر أخيرا (ديوان) للشيخ أحمد بن عبد القادر التستاوتي في جزئين يحتويان على 963 صفحة بعناية الدكتور عبد اللطيف شهبون إذ قام بجمع نصوصه وتحقيقها مع وضع مقدمة للديوان.
وعمله هذا ثمرة جهد كبير أخذ من عمره سنين. وللإشارة فإن للدكتور عبد اللطيف شهبون دراسة لشعر التستاوتي نشرت كذلك، وبذلك يكون الأستاذ عبد اللطيف قد انفرد بالعناية بشعر التستاوتي تحقيقا ودراسة إضافة إلى جهده العلمي في جمع نصوص شعر التستاوتي.
والمعروف عند المهتمين أن تحقيق النص هو القراءة النقدية الأولى الموجهة للقراءات النقدية التالية، وهكذا نستطيع القول بأن شعر التستاوتي حظي بما لم يحظ به إلا القليلون من شعرائنا القدامى، وبعد اطلاعنا على شعر التستاوتي أمكننا تسجيل مجموعة من الخواطر في الأسئلة التالية.
ماحد الشعر عندهم في زمن التستاوتي؟ وهل تتعدد مفاهيم الشعر بتعدد الثقافات فيكون لثقافة ماحد خاص للشعر ولثقافة أخرى حد آخر، وإذا كان الأمر كذلك فهل يصح لنا أن نقرأ شعر التستاوتي انطلاقا من حد الشعر عند المشارقة في عصورهم الزاهية؟
إن المتأمل في تاريخ الشعر العربي يلاحظ أن الشعر العربي ارتبط في كثير من نصوصه، إن لم نقل في جلها، بالمقدس، إما في أصله الديني الخالص، وإما في صورته البشرية.
ومن ارتباط الشعر بالنص المقدس الخالص ماصدر عن الشعراء في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي التوسل، ومن ذلك كذلك مااصطلح عليه بالشعر الصوفي. أما ما يندرج تحت ماسميناه بالمقدس البشري فهو مااصطلح على تسميته بالمديح التكسبي، وهو شعر ينصرف فيه القول إلى مدح الحكام ومن على شاكلتهم وفي مستواهم، وكان هذا الشعر ومايزال يتعرض لانتقاد شديد انطلاقا من المفهوم الأخلاقي للشعر ومفهوم الصدق والكذب في الشعر، وإن كان في ذلك نظر. فهذه روائع الأعمال الفنية في الرسم والموسيقى والنحت في الغرب مما خص به الفنانون مخدوميهم من الملوك والأعيان كانت وماتزال تحظى بعناية كبيرة لدى الغربيين. ومايهمنا تسجيله والوقوف عنده هو كون الشعر العربي، إنما كان ارتباطه بالمقدس في صورته البشرية بشكل أكبر في القرون الستة الأولى، فشعر المديح التكسبي إنما ازدهر في العصرين الأموي والعباسي.
ومعلوم أن شعراء العربية الكبار، أمثال المتنبي والبحتري وأبي تمام، لم ينظموا شعرا في الربانيات والنبويات وماشابه ذلك، أما الشعر الذي ارتبط بالمقدس الديني متمثلا كما قلنا في النبويات والربانيات وما إليها، فإنه ظهر في القرن الخامس، وازدهر بعد ذلك في القرون اللاحقة. إن تفسير هذه الظاهرة في شعرنا تحتاج إلى مجال خاص، ولعل الأمر في ذلك يرتبط بالتحول الكبير الذي شهده العالم العربي بداية من القرن الخامس.
وفي ضوء ذلك يجب فيما نرى أن نقرأ شعر التستاوتي وأضربه مع استحضار سؤالنا السابق: هل حد الشعر مرتبط بالثقافة التي أنتجته وبالعصر بكامل أبعاده الذي ظهر فيه.؟ هذه خواطر وتساؤلات لعلها تكون موضوع مناقشات، والقصد منها إثارة عناية المهتمين بالشعر المغربي القديم.
وأخيرا فلا نملك إلا أن نهنئ صديقنا الدكتور عبد اللطيف شهبون بهذا الإنجاز العلمي الذي وظف فيه كل إمكاناته العلمية وقرأ هذا الشعر مستأنسا بحسه الشعري.

domingo, agosto 28, 2011

الخصائص الأسلوبية في شعر التستاوتي

إصدار جديد للدكتور عبد اللطيف شهبون

من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، صدر للدكتور عبد اللطيف شهبون كتاب جديد بعنوان “الخصائص الأسلوبية في شعر التستاوتي”، يقول الباحث في مدخله: “يتوخى البحث:

ـ سبر الجوانب الصياغية والبنائية لشعر أحمد بن عبد القادر التستاوتي لإدراك انتظام خصائص الأسلوب عند الشاعر المذكور في أفق إدراكه إدراكا نقديا“

ـ دراسة اللغة الشعرية للتستاوتي، كما تمثلها نصوصه، اهتداء بالاتجاهات الغالبة في الدراسات الأسلوبية المعتمدة.

ـ التدليل على صحة الفكرة القائلة بأن “صياغة الملاحظة بواسطة الكلمات، لا تعني جعل الجمال يتلاشى في المسائل العقلانية، وإنما تسعى تلك الصياغة إلى توسيع، وتعميق الذوق الجمالي، فالحب العابث ـ فقط ـ هو الذي لا يمكن أن يبقى بعد الوضوح الفكري، ويزدهر الحب العظيم بالفهم..”

نهنئ الأستاذ الفاضل بهذا الإصدار الجيد وندعو له بالتوفيق والمزيد من التألق والنجاح..

أساور وأعلاق.. عبد اللطيف شهبون




أساور وأعلاق..

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
«الخلافات التافهة هي التي توجهنا في الحياة.. وتأثيرها علينا أعظم من كل تأثير!»
التهامي الوزاني
لا تنصرف كتابات التهامي الوزاني إلى مادة دون غيرها.. وهي تؤول إلى نسق صاف.. جوَّابٍ لآفاق.. حاشدٍ لمشاهدَ ومشاهدات ومقروءات.. في طلاوة مُسْتعْذَبةٍ وفكْر طريف.. وذكاء في العرض والتحليل والتأويل.. بلغة غير متوسعة في المجازات، ولا موغلة في الاستعارات.. وفي تزاوج بين شعْريّة الكلام وبين مُتطلَّبات الحجاج والإقناع.. وغير ذلك من السمات الأسلوبية لكبار الكتاب والمفكرين.
كان التهامي الوزاني صاحب ريادات.. وفي ذاته تأتلف ذواتُ المثقف الفاعل في ديناميات السياسة، خاصة سياسة حزب الإصلاح.. والحقوقي المسهم في تأسيس أول إطار حقوقي عرفه المغرب الحديث بتطوان (21 ديسمبر 1933).. والمتصوف الناشء في حضن الطريقة الدرقاوية.. والمربي المشارك في تأسيس المدرسة الأهلية.. والمؤرخ الواضع لتآليف حول تاريخ المغرب ومنطقته الشمالية.. والصحافي المنشء لمنبر «الريف»، والمحرر لمقالات في هذه الجريدة وفي «الحرية».. والمترجم لمتن أدبي عالمي هو «ضون كيخوطي».. وكاتب السيرة والرواية الفلسفية والرحلة والخرافة.. والمفسر لآي القرآن الكريم تفسيرا أسماه «الرفرف».. ورجل الدين المتفتح المتسامح المعقْلِن..
هو ذا الوزاني الذي بنى مجده الثقافي والفكري بعصامية مشهود بها.. وبنزعة إنسانية صوفية كانت ومازات موضوع إبهار.. وأما تراثه فتركة نفيسة تحتاج إلى لَمٍّ ثم مقاربة في سياقاتها.. بأُطُر نظرية واضحة واحتكام إلى أخلاقيات البحث بكل ماتقتضيه من حرية وأمانة وإنصاف وتحرٍّ كاشف لحقيقة رجل ذي وزن كبير في تاريخ وجغرافية الثقافة المغربية الحديثة..
قرأت مصورة مخطوط وضع له التهامي الوزاني بنية عنوانية رمزية هي «الأعلاق والأساور».. انتهى منه في ثالث عشر صفر 1372 الموافق لثاني نوفمبر 1952.. وقد عقد فيه نية وقصدا للتنويه بآل البيت.. أقام الوزاني معماره الفكري الفلسفي، في هذا التأليف على أساسين، عام وخاص.
فأما العام فمدخل تناول فيه بالبيان والتبيين تفصيل الحكمة الإلاهية في مخلوقاته وموجوداته المستندة إلى إحكام وإتقان ربَّانيين «.. ماترى في خلق الرحمان من تفاوت».. اجتهد في هذا المكون لاستحضار كل العناصر الناظمة لرؤية نسقية للكون بدءا من الماء «وجعلنا من الماء كل شيء حي» فالتراب فالطبيعة فالحيوان فالإنسان.. دفاعا عن فكرة الوحدة والتجانس والمساواة يقول الوزاني: «... والإنسان نوع واحد ذو أصناف متعددة، وقد قضى على وجه الأرض عصورا متطاولة، وكثرت بينه عادة الهجرة، حتى ليصح القول بأنه لا يوجد منه صنف لم يختلط بغيره من الأصناف..»، ثم يقول في موقع آخر «وكم أحدثت سياسة التفرقة العنصرية من أحداث خطيرة، ولو أن الناس أدركوا من قول الله سبحانه «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم» لاستراحوا من داء الأنانية الجامحة التي كان المصدر الأول للأحقاد والشحناء..»
وبرُؤْية شَمَّالةٍ ومنطق قوي يدحض الوزاني مزاعم السلاليين القائلة بأن «النوع الواحد يشتمل على أصناف جيدة وأخرى رديئة، دجاج يبيض بيضا صغيرا إلى جانب دجاج يبيض بيضا كبيرا.. وحُمُر سريعة وأخرى بطيئة.. وكذلك الشأن في الناس يوجد بينهم أصناف يصح الحكم عليها في جملتها من أنها تحمل خصائص الرفعة أو الانحطاط.. وهناك أصناف رديئة في النباتات والثمار والمعادن، ولا ينبغي أن يشذ الإنسان عن هذه القاعدة..!».
وفي معرض نقد هذه الفكرة المتطرفة/ العنصرية يقرر الوزاني اعتمادا على خلاصات علماء البحث عن خصائص الإنسان أن ما يظهر من تفاوت بشري إنما مرجعه إلى «عوامل خارجية لا مساس لها بذاتية النوع سواء في جنسه أو فعله.. وإن الحواجز القائمة بين الأصناف البشرية في الوقت الحاضر يُتغلب عليها بالتربية الصالحة والتعليم الصحيح والتوجيه «الرشيد»..»
وأما الخاص فبسط تاريخي للتعلق بآل البيت المتخلقين بأخلاق رسول الله من صفح وحلم وكرم وعفة وطيبة قلب وطهارة نفس وعلو همة وإقبال على الآخرة وإعراض عن زهرة الدنيا.. وغير ذلك من الخصال الباطنة التي تنعكس على بشرتهم الظاهرة فيترقرق نور النبوة، وينشط الدم النقي الجاري في عروقهم!!
الأساس في حديث الوزاني عن آل البيت هو تبيان فكرة هدم الإسلام للحدود بين الطبقات وجعل البشر قسمين، أهل رضى الله، وأهل سخطه، خلافا لمنطق الناس الذين أقاموا أرستقراطية: المال والجاه والعلم والحسب والنسب..!

دون كيخوطية عبد اللطيف شهبون الزبير بن بوشتى أ

دونكيخوطية عبد اللطيف شهبون
الزبير بن بوشتى
طنجة الأدبية : 29 - 04 - 2011

عندما ينجح البشر في الهروب إلى مملكة الحكايا، آنذاك يمكن أن يتفق لهم أن يمتلئوا نبلا وحنوا وشعرا. أما في مملكة الحياة اليومية، فتسيطر عليهم للأسف التحفظات والريبة والشكوك». هذا ما قاله ميلان كونديرا في مزحته الروائية. وعلى هذا المنوال سأحاول أن أسترجع معكم حكاية أحد مساءات نوفمبر من عام 1985 استضاف خلالها نادي 21 بطنجة المؤرخ والروائي الفذ عبد الله العروي الذي قدم محاضرة بقصر مولاي حفيظ تحت عنوان: «تحدي الواقع»، وقد كان آنذاك الأستاذ عبد اللطيف شهبون من ثلة مثقفي الجهة الشرفاء المؤسسة لنادي 21 ومن أبرز منظمي هذا اللقاء. أتذكر أن د. عبد الله العروي ألقى عرضه في قاعة القصر الكبرى الغاصة بالحضور، مركزا في مستهله على البعد النظري في واقعية دون كيخوتي كأشهر بطل مناقض للواقع... كشخصية متجاوزة... كبطل رومانسي يتحدى الواقع... كشخصية تعيش الإنفصام... كشخصية موزعة بين واقع العام وواقع الذات...
إلى اليوم، وكلما التقيت بالأستاذ عبد اللطيف شهبون إلا والتمعت صور ذلك اللقاء على شاشة ذهني ودوى صداها في مسامعي الباطنية. وكأن الرجل تمثال من حياة ينفخ فينا ذكرى الرومانسي الدون كيخوطي الذي لا يمل من تكرار الكرة في فره وكره من السياسة إلى الشعر ومن الشعر إلى السياسة.
في الجزء الثالث من خواطره الصباحية سيكتب عبد الله العروي صباح يوم الخميس 31 أكتوبر من عام 1985 أي عشية محاضرته في طنجة: «الواقع يتحدانا: اعرفني قبل أن تحلم بتغييري».
كما هو حال المثقف العربي من وريد الوطن إلى مذبح الأمل لم يتعب بعد السي عبد اللطيف من الإنخراط في الواقع المعيش والإنصهار في قضايا الوطن الكبرى منها والتافهة، اليومية والمصيرية... يراكم التجارب وينوع أنشطته من سياسية إلى حزبية إلى حقوقية إلى جماعية إلى ثقافية... تجارب لم يجن منها إلا المزيد من المرارات يصنفها بصمت في أروقة متحف احتراقاته السري، كمجمع نادر لتحف يكتوي بها قلبه العاشق. عاشق محترق أبى ويأبى التطاحن من أجل المكاسب الآنية في حروب مجالس تبرأت منها المدينة وتوجس منها الوطن... هو الذي زهد في المناصب والإمتيازات في زمن تخلى فيه المثقف عن القافلة في عز الترحال لينضم لجوقة مصاصي عظام الديمقراطية...
فأين أنت من دونكيخوطي المتحدي للواقع يا صديق الشعر والطوباوية... يا من ترك الشعر في برج الفؤاد منذورا لإنتظار غذ أفضل، وراحل يجوب مزالق السياسة ومطباتها أملا في التعرف على الواقع وإيمانا بتغييره... من مدريد إلى جنوب إفريقيا وكل بقاع الأرض جبتها بطوباوية المؤمن بالكلمة/الفعل... تستهدي بشجرة الشرفاء وقد أورقتها دماء عمر ولوركا وغاندي وتشي غيفارا وعبد الكريم الخطابي والزرقطوني وناجي العلي ويطو زيان وسعيدة المنبهي... وكلما هوت الطعنات على ظهرك واحتدت ضراوتها إلا واعتلت محياك ابتسامة ازدادت إشراقة في وجوه الأعدقاء...
دمت للشعر ودام الشعر لك تقيك شفافيته من رجس السياسة... وما بينهما موجة تصدح بالغناء وإلى الأبد...

ثقافة الحقوق..

ثقافة الحقوق..

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
نشرتُ في عدد سابق مادة ثقافية/ فكرية للمرحوم محمد عابد الجابري حول موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان.. أصلها حديث ألقاه ارتجالا.. ونقلته إلى صيغة مكتوبة قصد الاطلاع ولكل غاية مفيدة..
في الليلة الأولى من هذا الشهر الفضيل اتصل بي صديق مستفسرا عن مشروع نادي كتاب حقوق الإنسان، لأنه لم يسمع به.. ونزولا عند رغبته أقدم بياني:
بادر المرحوم عبد الله الولادي الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى تأصيل ممارسة ثقافية حقوقية جديدة بواسطة ماأسماه «نادي كتاب حقوق الإنسان»، اقتناعا منه رحمه الله أن العمل في مجال حقوق الإنسان يتطلب الاسترفاد العلمي المنتظِم..وتعميق التواصل مع مختلف الفاعلات والفاعلين في الحقول العلمية والمعرفية والثقافية.. ارتقاء بمقاربة المنظمة للشأن الحقوقي، وتطويرا لأدائها..
وهكذا نظمت لقاءات مفتوحة مع باحثين أكاديميين ومفكرين مرموقين لمناقشة إصداراتهم منذ انطلاق مشروع «نادي كتاب حقوق الإنسان» في 12 ماي 2001.. واستمر المشروع موازيا لمشاريع أخرى للمنظمة في مجالات الحماية والتحسيس والنهوض، بعدما كلف المكتب الوطني للمنظمة رشيدة بنمسعود وسميرة عنان بالإشراف والتنسيق على تنفيذ البرمجة السنوية لنادي كتاب حقوق الإنسان خلال فترة امتدت من 2001 حتى 2005. ومن الإصدارات المقدمة في هذا النادي:
. حقوق الإنسان والديمقراطية لمحمد سبيلا قدمه عبد الله المتوكل في 12 ماي 2001.
. Distineés Democratiques لمحمد البردوزي قدمه عمر بن دورو في 30 يونيه 2001.
. في تشريح أصول الاستبداد لكمال عبد اللطيف في 27 أكتوبر 2001.
. الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي لأحمد عصيد في 20 أبريل 2002.
. نشأة الحركة الأمازيغية بالمغرب للحسين وعزي في 21 ماي 2002.
. الديمقراطية وحقوق الإنسان لمحمد عابد الجابري، قدمه سالم يفوت في 22 يونيه 2002.
. أمير المؤمنين: الملكية والنخبة السياسية المغربية لواتر بوري، ترجمة عبد الغني أبو العزم وعبد اللطيف الفلق وعبد الأحد السبتي.. وقدمه مترجموه وحسن طارق في 29 أكتوبر 2004.
. لماذا لا نربط بين التنظير والممارسة؟ لأحمد الخمليشي، قدمه عبد القادر الشاوي في 14 يناير 2005.
ساهم هذا المشروع الحقوقي المموَّل وقتئذ من طرف فنلندا في إغناء النقاش وتعميقه بين أعضاء المنظمة وبين الإعلاميين والمثقفين والجامعيين والمتتبعين.. وكشفت نتيجة التقويم الأولي لأداء نادي كتاب حقوق الإنسان عن رغبة أكيدة في انتظامية هذا المشروع الفكري والثقافي.. وفي ضرورة انفتاحه على مؤلفات وإصدارات شكلت هاجسا في الوعي الجمعي، بل طابوهات سياسية وثقافية وفكرية.. وفي ضرورة نقل الحوار الحقوقي من مركزه بالرباط إلى محيطه الوطني الأرحب، تنشيطا للحياة الثقافية بالبلاد في ظرفية واعدة بالتحول المنشود..
كانت فكرة نادي كتاب حقوق الإنسان ذكية وعملية.. دعمت ثقافة الحقوق.. ووازت مشاريع المنظمة.. وأثْرَتْ مقاربتها.. وساهمت في تأهيل قدرات... وبناء كفاءات.. وكان من اللازم أن تتطور.. لكن ذلك لم يحصل..!؟

martes, agosto 16, 2011

الخارجية المغربية ومنطق الاستخفاف بالعباد ك

الخارجية المغربية ومنطق الاستخفاف بالعباد

سعيد بوخليط

لعل أهم الإشارات التي عملت على تحيين ملحمة الدستور الجديد ، حيث العمل” حق” لكل مواطن مغربي ، بقوة القانون ،ذلك التراجع الفظيع لمجموعة من القطاعات الحكومية ، عن الوفاء بتفعيل المرسوم الوزاري الاستثنائي ، الذي قضى بإدماج مباشر لحملة الشواهد العليا. فبعد المالية والداخلية والدفاع و العدل والسكك الحديدية والغرف ،انتقل الدور إلى وزارة الخارجية، التي اختارت بمحض ارادتها بناء على اللوائح المتوفرة للوزارة الأولى ، عينات بشرية تنتمي إلى تخصصات مختلفة : الألمانية ، الفارسية ، الانجليزية ، الفرنسية ، العربية ، الاسبانية ، القانون ، وكذا بعض المهارات التقنية . زمرة ، لا تتعدى عناصرها العشرون فردا، اجتاز البعض منهم جل مراحله التعليمية بالمدرسة المغربية ، في حين اقتسمها آخر بين المغرب وبلد اجنبي .

يتبين بالملموس الآن ، أن مباراة إدماج 4300 من أصحاب الماستر و الدكتوراه ، كان فقط فعلا استباقيا من النظام ، بغية الالتفاف على غليان الشارع المغربي ، الذي أخذ يتدافع شيئا فشيئا بعد نجاح الشعبان التونسي والمصري في قلب الطاولة على حكامهما. لهذا جاء القرار مؤثثا بكل أشكال وعود العام زين من أجل تدارك ما يمكن تداركه، واخماد شرارة الحريق. بدأ المعطلون يترقبون أولى المكالمات الهاتفية قصد الالتحاق بالوظيفة . صحيح أن وزارات مثل التربية الوطنية والتعليم العالي جاءت استجابتهم فورية مقارنة مع سيدتنا الخارجية والتي ربما تحسب نفسها أكبر من معهد ماسا شوسيتس و كوليج دوفرانس … ،بالتالي تتنزه بكثير عن مستوى هؤلاء المستصعفين أبناء الفقراء ،كما أنها المؤسسة التي أنجبت هنري كيسنجر وأندريه غروميكو والديبلوماسي المكوكي فيليب حبيبي...؟ لذلك كان لزاما تماطلها لأكثر من شهرين كي تكلف أحد موظفيها، لاخبار المترشحين بان يحمل كل واحد منهم إلى مقرها ملفا يتضمن الشهادة الجامعية والسيرة الذاتية وصورة فوتوغرافية . وثائق أصلا يفترض أن وزارة الخاجية توصلت بها من قبل الوزارة الأولى. لا بأس، قد نتجاوز هذه الملاحظة ونغض الطرف عنها ، حينما يستحضر الواحد منا درجات الفوضى واللامبالاة التي تعيشها إدارتنا من أعلاها الى أدناها والحكايات السوريالية متعددة تحتاج الى مجلدات .

بعد هذه الخطوة، كان على المعطلين، انتظار تقريبا خمسة وأربعين يوما، كي يتم الاتصال بهم ثانية ودعوتهم للحضور إلى الوزارة . المكالمة الهاتفية بقدر ما كانت هلامية ظاهرا وباطنا، أبرزت فقط أمرا واحدا لا غير : حتمية ارتداء القادمين للبدلة الرسمية، .كأن الأمر يتعلق بحفل زفاف . أيضا سيتم التكيف مع هذا الطقس المكلف ربما لأنها وزارة رسمية تفرض منذ البداية الامتثال لشعائرها، والرسميون معروفون بنمطيتهم التي تغدو في أعم الاحيان ابتذالا، بل تسطيحا. المهم اقترض من اقترض رغم العطالة والبطالة ثم تحمل المدعوون عبء الرداء .

صبيحة اللقاء، لم يكن اجتماعا كما قيل، ولكنه اختبار و استفزاز بكل الأشكال والصيغ ، استمر لمدة ثلاث ساعات ،بهدف” معرفة السلعة القادمة عندنا” ، هكذا خاطب السفير المتنقل الحضور، وهو يشترك مع الكاتب العام للوزارة بكل هدوء في توضيب لعبة الإيحاء بوجود جدية للتعامل مع المعطلين، ولا يضمران أي سوء نية تستهدف الإخلال بالوعود التي قطعتها وزارة الخارجية بادماج هؤلاء في أسلاكها ، بعد أن تبنتهم بمحض إرادتها وإلا كان عليها منذ البداية أن تتحلى بقسط من المسؤولية والوطنية وتختزل كل مسافات الضحك على الذقون، ثم تعلن بصراحة الشجعان أنها غير معنية بتاتا بقرار توظيف أبناء الشعب مادامت هي وزارة فوق الجميع لا تعترف إلا بآدمية المنغمسين حتى آخر سلالة جدهم في التربة الفاسية المباركة (شاي الله امولاي زرهون) أو المغرب الراسخ مالا ونفودا وعلماوحسنا وعنطزة والحصن الحصين لأبناء العائلات المحصنة و” المحضية.” أما غيرهم فلا يخرج عن فصيل الناطحة والمتردية وما عاف السبع، لذا أجدربهم الاكتفاء بالنط عند عتبات جحورهم دونما نظر أو مجرد التفكير في جغرافية القلاع المتينة .

كان الكاتب العام لوزارة الخارجية يسأل كل مرشح ( أين درست ؟ مدينتك ؟ مضامين أطروحتك ؟ ما موقفك من كذا ...؟متى حدث ...؟ (وما إن يشرع المستجوب في لملمة أولى خيوط الكلام حتى يجر السيد يوسف العمراني البساط من تحته وهو يقذف الجميع( أنتم لا تقرؤون ؟ تقافتكم ضعيفة لا تعرفون لغات ؟ أنا مثلا أقرأ كل شيء ؟أتكلم بلغات عديدة ؟ أن تصنع لك موقعا داخل الخارجية ليس بالأمر الهين ؟ يفترض ويفترض ويفترض ؟؟) المفارقة العجية أن هذا العارف الجبار، حينما استفسر أحد المعطلين وهو صاحب دكتوراه في الأدب الفرنسي عن الموضوع الذي نال به أطروحته ، أجابه الأخيربهدوء، جان ماري غوستاف لوكليزيو.

المسؤول الحكومي السامي ، زم شفتيه، مؤكدا بكل ثقة عدم سماعه بالاسم مع العلم أن لوكليزيو روائي فرنسي لامع، أشهر من نار على علم ، ازداد تردد صدى اسمه بعد حصوله عل جائزة نوبل سنة 2008، إضافة إلى أنه متزوج بمغربية و استلهم كثيرا من قضاياه الروائية من الجنوب المغربي. مع ذلك لا ينبغي للانسان الناضج السقوط في مثل هذه السفسطة الفارغة ، لكن لما يريد البعض أن يمارس عليك استعلاء مجانيا ، فيحق لك أيضا أن تترقب بتواضع أدنى هفوة له .

بمعنى إذا رميت شخصا يعيش على هامش المجتمع بالجهل، بسبب هذه المعلومة أو تلك، فحري بك أنت من تحتل موقع الواجهة في مؤسسات الدولة وتحضى بوضع سوسيو اقتصادي نافذ ، أن تكون عقلا موسوعيا لا يشق له غبار .

على أية حال، ليس خافيا اليوم على الصغير قبل الكبير ضعف دبلوماسيتنا، والتراجع المهول للدور المغربي إفريقيا وعربيا وكذا وهن صوته في المحافل الدولية إضافة إلى ا ستفحال منطق وزارة السيادة من خلال التماهي بلغة الخشب التي تفتقر لأبسط مقومات التفكير الاستراتيجي ، بحيث لم يعد مسموحا قط الارتكان إلى ميتافيزقيا المواضعات والتوصيفات الجاهزة ، التي تصلح فقط لأديرة القرون الوسطى .

هذه الخارجية التي تحتقر أبناء الوطن، أولى بها أن تبرهن على حنكتها الادائية وتقدم لنا تمارين قوية في المعرفة، حتى يكون درس الاحتقار مقنعا : على رموز هذه الوزارة ،أن يحاضروا في أرقى المعاهد الدولية ويشاركوا في نحت المفاهيمهم النظرية على صفحات أعتى المجلات الدولية المتخصصة كما سار الامر دائما مع الديبلوماسيين الحقيقيين، فالكتابة والتنظير هما اللذان يعكسان المستوى الفعلي للديبلوماسي،ولا أعتقد شكل ربطة العنق .

بغير ذلك سيبقى مجرد موظف عادي، لا أقل ولا أكثر، يقتات على بقايا جهاز بيروقراطي .أفق يصب في مشروعية أسئلة من قبل : أين أدبيات هذه الوزارة ؟ ومنشوراتها ؟ وكراساتها ؟ وإصداراتها ؟ ومؤلفاتها ؟ لا نشاهد شيئا من هذا القبيل، فقط كلاما عاما وأداء لا نستطيع أبدا تبين ملامحه، بل حتى الموقع الاليكتروني للخارجية لا زال يغض في سبات أهل الكهف .

لاشك أن التحديث الذي يطبل له التحالف الحاكم، في كل مناسبة وغيرها، يستند أولا وأخيرا على أرضية كهاته .

المهم، بعد البدلة واللقاء وانتظار غودو لأكثر من أربعة أشهر، ذهب أحد المعنيين إلى الوزارة قصد الاستفسار، فأخبره المسؤول بعدم وجود شيء مؤكد ، وإن حصل فسيكون بعد رمضان ؟ حينما غادر صاحبنا، وصله صدفة كذب المسؤول، مادام وزارة الخارجية قد بعثت منذ فترة طويلة جوابا إلى الوزارة الأولى تؤكد قرارها بعدم إدماج هؤلاء المترشحين باسم ماذا ؟ الله اعلم ؟ المهم أن القضية قد عاودت نقطة البداية والسؤال الذي سيبقى أبديا : كيف يمكن لشعب أن يحترم مسؤوليه ، العاجزين عن الالتزام بأبسط الاشياء، فما بالك بما عظم