martes, agosto 16, 2011

الخارجية المغربية ومنطق الاستخفاف بالعباد ك

الخارجية المغربية ومنطق الاستخفاف بالعباد

سعيد بوخليط

لعل أهم الإشارات التي عملت على تحيين ملحمة الدستور الجديد ، حيث العمل” حق” لكل مواطن مغربي ، بقوة القانون ،ذلك التراجع الفظيع لمجموعة من القطاعات الحكومية ، عن الوفاء بتفعيل المرسوم الوزاري الاستثنائي ، الذي قضى بإدماج مباشر لحملة الشواهد العليا. فبعد المالية والداخلية والدفاع و العدل والسكك الحديدية والغرف ،انتقل الدور إلى وزارة الخارجية، التي اختارت بمحض ارادتها بناء على اللوائح المتوفرة للوزارة الأولى ، عينات بشرية تنتمي إلى تخصصات مختلفة : الألمانية ، الفارسية ، الانجليزية ، الفرنسية ، العربية ، الاسبانية ، القانون ، وكذا بعض المهارات التقنية . زمرة ، لا تتعدى عناصرها العشرون فردا، اجتاز البعض منهم جل مراحله التعليمية بالمدرسة المغربية ، في حين اقتسمها آخر بين المغرب وبلد اجنبي .

يتبين بالملموس الآن ، أن مباراة إدماج 4300 من أصحاب الماستر و الدكتوراه ، كان فقط فعلا استباقيا من النظام ، بغية الالتفاف على غليان الشارع المغربي ، الذي أخذ يتدافع شيئا فشيئا بعد نجاح الشعبان التونسي والمصري في قلب الطاولة على حكامهما. لهذا جاء القرار مؤثثا بكل أشكال وعود العام زين من أجل تدارك ما يمكن تداركه، واخماد شرارة الحريق. بدأ المعطلون يترقبون أولى المكالمات الهاتفية قصد الالتحاق بالوظيفة . صحيح أن وزارات مثل التربية الوطنية والتعليم العالي جاءت استجابتهم فورية مقارنة مع سيدتنا الخارجية والتي ربما تحسب نفسها أكبر من معهد ماسا شوسيتس و كوليج دوفرانس … ،بالتالي تتنزه بكثير عن مستوى هؤلاء المستصعفين أبناء الفقراء ،كما أنها المؤسسة التي أنجبت هنري كيسنجر وأندريه غروميكو والديبلوماسي المكوكي فيليب حبيبي...؟ لذلك كان لزاما تماطلها لأكثر من شهرين كي تكلف أحد موظفيها، لاخبار المترشحين بان يحمل كل واحد منهم إلى مقرها ملفا يتضمن الشهادة الجامعية والسيرة الذاتية وصورة فوتوغرافية . وثائق أصلا يفترض أن وزارة الخاجية توصلت بها من قبل الوزارة الأولى. لا بأس، قد نتجاوز هذه الملاحظة ونغض الطرف عنها ، حينما يستحضر الواحد منا درجات الفوضى واللامبالاة التي تعيشها إدارتنا من أعلاها الى أدناها والحكايات السوريالية متعددة تحتاج الى مجلدات .

بعد هذه الخطوة، كان على المعطلين، انتظار تقريبا خمسة وأربعين يوما، كي يتم الاتصال بهم ثانية ودعوتهم للحضور إلى الوزارة . المكالمة الهاتفية بقدر ما كانت هلامية ظاهرا وباطنا، أبرزت فقط أمرا واحدا لا غير : حتمية ارتداء القادمين للبدلة الرسمية، .كأن الأمر يتعلق بحفل زفاف . أيضا سيتم التكيف مع هذا الطقس المكلف ربما لأنها وزارة رسمية تفرض منذ البداية الامتثال لشعائرها، والرسميون معروفون بنمطيتهم التي تغدو في أعم الاحيان ابتذالا، بل تسطيحا. المهم اقترض من اقترض رغم العطالة والبطالة ثم تحمل المدعوون عبء الرداء .

صبيحة اللقاء، لم يكن اجتماعا كما قيل، ولكنه اختبار و استفزاز بكل الأشكال والصيغ ، استمر لمدة ثلاث ساعات ،بهدف” معرفة السلعة القادمة عندنا” ، هكذا خاطب السفير المتنقل الحضور، وهو يشترك مع الكاتب العام للوزارة بكل هدوء في توضيب لعبة الإيحاء بوجود جدية للتعامل مع المعطلين، ولا يضمران أي سوء نية تستهدف الإخلال بالوعود التي قطعتها وزارة الخارجية بادماج هؤلاء في أسلاكها ، بعد أن تبنتهم بمحض إرادتها وإلا كان عليها منذ البداية أن تتحلى بقسط من المسؤولية والوطنية وتختزل كل مسافات الضحك على الذقون، ثم تعلن بصراحة الشجعان أنها غير معنية بتاتا بقرار توظيف أبناء الشعب مادامت هي وزارة فوق الجميع لا تعترف إلا بآدمية المنغمسين حتى آخر سلالة جدهم في التربة الفاسية المباركة (شاي الله امولاي زرهون) أو المغرب الراسخ مالا ونفودا وعلماوحسنا وعنطزة والحصن الحصين لأبناء العائلات المحصنة و” المحضية.” أما غيرهم فلا يخرج عن فصيل الناطحة والمتردية وما عاف السبع، لذا أجدربهم الاكتفاء بالنط عند عتبات جحورهم دونما نظر أو مجرد التفكير في جغرافية القلاع المتينة .

كان الكاتب العام لوزارة الخارجية يسأل كل مرشح ( أين درست ؟ مدينتك ؟ مضامين أطروحتك ؟ ما موقفك من كذا ...؟متى حدث ...؟ (وما إن يشرع المستجوب في لملمة أولى خيوط الكلام حتى يجر السيد يوسف العمراني البساط من تحته وهو يقذف الجميع( أنتم لا تقرؤون ؟ تقافتكم ضعيفة لا تعرفون لغات ؟ أنا مثلا أقرأ كل شيء ؟أتكلم بلغات عديدة ؟ أن تصنع لك موقعا داخل الخارجية ليس بالأمر الهين ؟ يفترض ويفترض ويفترض ؟؟) المفارقة العجية أن هذا العارف الجبار، حينما استفسر أحد المعطلين وهو صاحب دكتوراه في الأدب الفرنسي عن الموضوع الذي نال به أطروحته ، أجابه الأخيربهدوء، جان ماري غوستاف لوكليزيو.

المسؤول الحكومي السامي ، زم شفتيه، مؤكدا بكل ثقة عدم سماعه بالاسم مع العلم أن لوكليزيو روائي فرنسي لامع، أشهر من نار على علم ، ازداد تردد صدى اسمه بعد حصوله عل جائزة نوبل سنة 2008، إضافة إلى أنه متزوج بمغربية و استلهم كثيرا من قضاياه الروائية من الجنوب المغربي. مع ذلك لا ينبغي للانسان الناضج السقوط في مثل هذه السفسطة الفارغة ، لكن لما يريد البعض أن يمارس عليك استعلاء مجانيا ، فيحق لك أيضا أن تترقب بتواضع أدنى هفوة له .

بمعنى إذا رميت شخصا يعيش على هامش المجتمع بالجهل، بسبب هذه المعلومة أو تلك، فحري بك أنت من تحتل موقع الواجهة في مؤسسات الدولة وتحضى بوضع سوسيو اقتصادي نافذ ، أن تكون عقلا موسوعيا لا يشق له غبار .

على أية حال، ليس خافيا اليوم على الصغير قبل الكبير ضعف دبلوماسيتنا، والتراجع المهول للدور المغربي إفريقيا وعربيا وكذا وهن صوته في المحافل الدولية إضافة إلى ا ستفحال منطق وزارة السيادة من خلال التماهي بلغة الخشب التي تفتقر لأبسط مقومات التفكير الاستراتيجي ، بحيث لم يعد مسموحا قط الارتكان إلى ميتافيزقيا المواضعات والتوصيفات الجاهزة ، التي تصلح فقط لأديرة القرون الوسطى .

هذه الخارجية التي تحتقر أبناء الوطن، أولى بها أن تبرهن على حنكتها الادائية وتقدم لنا تمارين قوية في المعرفة، حتى يكون درس الاحتقار مقنعا : على رموز هذه الوزارة ،أن يحاضروا في أرقى المعاهد الدولية ويشاركوا في نحت المفاهيمهم النظرية على صفحات أعتى المجلات الدولية المتخصصة كما سار الامر دائما مع الديبلوماسيين الحقيقيين، فالكتابة والتنظير هما اللذان يعكسان المستوى الفعلي للديبلوماسي،ولا أعتقد شكل ربطة العنق .

بغير ذلك سيبقى مجرد موظف عادي، لا أقل ولا أكثر، يقتات على بقايا جهاز بيروقراطي .أفق يصب في مشروعية أسئلة من قبل : أين أدبيات هذه الوزارة ؟ ومنشوراتها ؟ وكراساتها ؟ وإصداراتها ؟ ومؤلفاتها ؟ لا نشاهد شيئا من هذا القبيل، فقط كلاما عاما وأداء لا نستطيع أبدا تبين ملامحه، بل حتى الموقع الاليكتروني للخارجية لا زال يغض في سبات أهل الكهف .

لاشك أن التحديث الذي يطبل له التحالف الحاكم، في كل مناسبة وغيرها، يستند أولا وأخيرا على أرضية كهاته .

المهم، بعد البدلة واللقاء وانتظار غودو لأكثر من أربعة أشهر، ذهب أحد المعنيين إلى الوزارة قصد الاستفسار، فأخبره المسؤول بعدم وجود شيء مؤكد ، وإن حصل فسيكون بعد رمضان ؟ حينما غادر صاحبنا، وصله صدفة كذب المسؤول، مادام وزارة الخارجية قد بعثت منذ فترة طويلة جوابا إلى الوزارة الأولى تؤكد قرارها بعدم إدماج هؤلاء المترشحين باسم ماذا ؟ الله اعلم ؟ المهم أن القضية قد عاودت نقطة البداية والسؤال الذي سيبقى أبديا : كيف يمكن لشعب أن يحترم مسؤوليه ، العاجزين عن الالتزام بأبسط الاشياء، فما بالك بما عظم