domingo, octubre 26, 2008

إشارات حمراء.. عبد اللطيف شهبون

إشارات حمراء


عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
تضمن جدول أعمال الدورة الخامسة لمنتدى المجتمع المدني الموازي لمنتدى المستقبل المنعقدة في دبي بين 15 و18 أكتوبر الجاري مناقشة محورين تفرعت عنهما قضايا تفصيلية ذات صلة بالإصلاح والبناء الديمقراطي من قبيل: الإصلاح السياسي والبيئة التشريعية، المنظمة لعمل المجتمع المدني.. وتمكين المرأة.. والتنمية المستدامة.. والتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني...
في ورشة الإصلاح السياسي ناقشنا: حرية الرأي والتعبير وتشريعات الإعلام والتعددية والتنوع والشفافية ومكافحة الفساد.. وبخصوص هذه النقطة بالذات تملكني انزعاج بالغ وأنا أتابع تجليات الفساد في البلاد العربية من مائها إلى مائها.. تذكرت وضع المغرب الذي انحدر في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافيةالدولية خلال السنة الجارية إلى الرتبة 80 بعد أن كانت رتبته في المؤشر المذكور في سنة 2007 هي 72!؟..
تذكرت خطاب جلالة الملك في افتتاح دورة البرلمان الذي تطرق ـ بوضوح كبير ـ إلى معضلة تعوق مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، معضلة الفساد في إشارة قوية حمراء إلى ضرورة التصدي لهذه الآفة..
1 ـ ثمة تعريفات شتى للفساد يمكن الإطلاع عليها في الأدبيات الحقوقية (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، منظمة الشفافية العالمية..) والمستخلص هو أن الفساد سلوك غير أخلاقي، غير مواطن مادام يجسد سوء استعمال المنصب العمومي لمراكمة مكاسب شخصية أو منفعة شخص أو جماعة محدودة على حساب المصلحة العامة.. ومستويات الفساد ثلاث: سياسي يمارسه السياسيون (فساد أكبر).. وإداري يمارسه الموظفون العموميون بموجب مواقعهم وسلطهم ونظام تعيينهم والأمثلة عليه لا حصر لها في بينات الدولة الإدارية.. (فساد أصغر).. وفساد اقتصادي يمارسه مسؤولون عن إدارة قطاعات اقتصادية يعمدون فيها إلى استغلال الإيرادات المالية الناتجة عن الاستثمار أو المساعدات أو غير ذلك لفائدتهم وفائدة ذويهم..
2 ـ تتجلى مظاهر الفساد في الرشوة واختلاس المال العام والممتلكات والمتجارة بالموقع والنفوذ والإثراء غير المشروع وغسل العائد من المنهوبات وإخفائه وإعاقة السير العادي للقضاء..
3 ـ وتحتاج بلادنا إلى خطة ثلاثية الأبعاد لمكافحة الفساد: بعد وقائي قبلي تحسيسي لمخاطر الفساد.. وبعد رقابي مصاحب يسمح بإعمال الحق في الوصول إلى المعلومة.. وبعد قضائي يقتضي المساءلة عن جرائم الفساد بواسطة سلطة قضائية مستقلة ونزيهة.. وتحتاج إلى «حوكمةِ» تدبير الشأن العام بما يضمن الشفافية والمحاسبة والافتحاص المنتظم والمساءلة.. وإعمال الحق في الوصول إلى المعلومة
..

martes, octubre 14, 2008

لمحة بدرية.. عبد اللطيف شهبون

لمحة بدرية..


عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
مثل ضيف مرتبك خجول .. أو ريح خفيفة تحمل ماليس يرى.. وتوقظ ما يعرِّش في أصقاع الروح من عذابات البعد.. وعذوبات القرب.. حمل إليه البريد الإلكتروني لمحة بدرية تسللت من عمر مداه ربع قرن إلى غمر مازال يحياه القاعد الماشي محتفظا بخصلات تدثره في إقامة حزنه السرمدي..
ـ 1 :أشعلت الرسالة إياها نور صباحه فكتب
تجري الريّاحْ
ماكنت أدري يا صباحْ
أن الأشواق في المدى
تسكنني.. تُحيلني صدى..
ما كنت أدري أن حبل الوصْلِ
مُدّ من سما،
بديلَ صدمةٍ
أو صورةٍ ترتشف اللَّمَى،
فالصورة الحبيبهْ
منقوشةٌ في القلبْ
ممهورةٌ في الّلوحْ..
منذورةٌ للبوحْ.
لوقتك السعيدْ
يسافرُ العشيقْ
كي يزرع البذور في البذورْ..
ويدفن الأسرار في الأسرارْ..
في وقتك الأثيرْ
تعبر الأفْقَ نجمةٌ
من نورها الشّفيفْ
يُهدَّمُ الخريفْ..
في اللحظة الصديقهْ.
ـ 2 -: ثم عاده التجلّي فتوأم خطابه
حدجتني بدريّةٌ
تلبسُ الصورةَ الّتي..
منها وجهي وقبلتي
ذكّرتني بألفة
سكنت روحي واليقينْ..
قلت: يانور عتْمتي
كل ما شئت هُوَ لَكْ
إستوِ أيها الملكْ..
ـ 3-: وانخلع قلب القاعد الماشي إشراقا فباح
مثل نسيم السَّحَرِ
أو نرجس.. أو ياسمينْ
من نَوْره عين اليقينْ
من نوره تلوّنَا
لكي يقولَ: يا أنا
مثل نسيم السّحَرِ،
أحيَتْ.. وأنْعشَتْ قلبًا
مواتُه بالْغيرِ..
وحقِّها ما غيّرتْ ودّي
صروفُ الْغِيَر
إذا أجلتُ فِكَرِي
مَعْنىً بذلك الوطرِ
يا روْعهُ من وطرِ
مغْناهُ يجلو مُضْمَرِي..
وادي لو: غشت 2008

jueves, octubre 09, 2008

ليس على الحقيقة إلا الله.. عبد اللطيف شهبون

ليس على الحقيقة إلا الله..


1

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون

القلب أساس ومفتاح..
عقل الإنسان موضع العلم، وقلبه موطن العلم اللدني أو الفتح الرباني
من هذا المنطلق يجمع أحمد زرّوق البرنسي الفاسي (ت899هـ) بين معرفتين، فقهية وصوفية في عروة كتابه «قواعد التصوف»، الذي ينصرف الحديث فيه بالكلية إلى القلب باعتباره أساسا ومفتاحا، القلب الذي تحل فيه الحياة فتدعوه إلى النهوض عند المذاكرات..
وأحوال القلب ـ كما يرى زرّوق ثلاثة: صحة في الحياة وفصاحة في الخطاب.. موت لا يقبل التذكير ولا التنبيه.. وعلة نتيجة اعتراضات وأعراض تشعر صاحبها ألما يضعه في أفق انتظار يقوده إلى شفاء واستقامة..
يبسط زرّوق ـ وهو القارئُ الشارحُ المعلمُ المفتي الشيخُ المرشدُ ـ صنوف علاج القلوب بالاستناد إلى الحكم الصوفية.. وفي كل فقر الكتاب معان ودلالات وفيض حكمي تجبر المطالع على التوقف والاستيقاف..

2

تعدد الحسن يقتضي تعدد الاستحسان..
.. من هذه الفكرة يشقّقُ زرّوق كلامه حول ماهية التصوف واتساعها حدّ أن كل ممارسة فيه هي ذات أصل يؤوب إلى نسق أو منظومة جامعة لواؤها التسامح الفكري وقبول الاختلاف، مادام أن تعدد وجوه الحسن في صورة أو مادة تقتضي تعدد أوجه الاستحسان، فللعامي تصوف (حوته كتب المحاسبي) وللفقيه تصوف (رامه ابن الحاج في مدخله) وللمحدث تصوف (حام حوله ابن العربي في سراجه) وللعابد تصوف (دار عليه الغزالي في منهاجه) وللمتريض تصوف (حواه الغوث والإحياء) وللمنطقي تصوف (نحاه إليه أبي سبعين في تأليفه) وللحكيم تصوف (أدخله الحاتمي في كتبه) وللأصولي تصوف (قام الشاذلي بتحقيقه) وهكذا تعدد الحسنُ والاستحسانُ..
3

تواضع جمٌّ..
نشأ زرّوق يتيما.. مهيض الجناح.. لكنه فرّغ وقته للدارسة والتحصيل.. واتسمت حياته ظاهرا وباطنا بتواضع جم.. ونموذج ما يستفاد من منحاه السلوكي وخبرته العلمية في هذا الباب ما كتبه في عتبة ذيل بها كتابه تحفة المريد.. قال زرّوق:
«.. فوالله الذي لا إلاه إلا هو، لقد تعديت في ارتكاب ما ارتكبت، وأخطأت في ما ادعيت وانقلبت.. وإنما الحامل حب الرئاسة وقوة شيطنة، فعلى الناظر في هذا الجزء أن يتبع مسائله بالنقد والبحث ـ إن أمكنه ـ حتى يستخرج مكامنه، وينظر فيه بعين الإنصاف.. فإن أكثره منقول بالمعنى، فانظروا قبحي ولا تظنوا ارتكابي لهذا الأمر من غزارة علمي بل هو من سوء فعلي وتكلفي ماليس من شأني..»
4

عقل نموذجي..
خلف زرّوق مؤلفات عدة في الحديث والرحلة والطب والدراسات القرآنية والفقه والتراجم والتصوف.. ومن هذا الأخير: «إعانة المتوجه المسكين إلى طريق الفتح والتمكين» و«إعراب: إن لم أجد إلا هي..» و«شرح أبيات: تطهّر بماء الغيب» وشروح الحكم العطائية وكتاب السماع وكتاب المحبة والكلام عن أنواع أهل الخصوصية والنصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية وشرح نونية الششتري وشرح حزب البحر للشاذلي وشرح حزب البر للشاذلي ومؤلفات أخرى عديدة يدخل جلها في حكم المفقود أو الدفين أو المشتّت
5

ليس على الحقيقة إلا الله

وفي كتابه الأساس: «إعانة المتوجه» صورة واضحة لهذا العالم المتصوف الممتلك لعقل نموذجي ديباجة ونظاما وبنية عنوانية مرشدة ومعينة في ثوب لغوي جميل.. فحينما يعرض مواقف السالكين يحددها في ثلاثة
ـ توبة هي بداية الطريق بالتخلي
ـ استقامة إزاء الخالق والمخلوقين بالتحلي
ـ تحقيق وعرفان.. وترق في مقامات الإحسان بالتجلي
ثم يربط ذلك بمراحل حياة الإنسان: ماض يحيل على واجب التوبة وضرورتها. وحاضر يبين معنى الاستقامة وطريقها. ومستقبل يهيئ القلب لتلقي المعرفة اللدنية ـ بعدما تمت التوبة وتأكدت الاستقامة ـ إذ ليس على الحقيقة إلا الله

viernes, octubre 03, 2008

عبد اللطيف شهبون...... شفاء الغليل..

شفاء الغليل..

في يوم 2 أبريل 2007 يوم 2 أبريل 2007 أهداني الصديق العزيز الدكتور عبد الجليل بادُّو كتابه «السفلية والإصلاح»، وكتب في نص الإهداء: «.. وأنا أستحضر النزعة الصوفية للصديق عبد اللطيف شهبون مع شغفه بالعقلانية.. أتمنى أن يجد في هذا الكتاب شفاء الغليل..»
خلافا للعديد من الكتابات حول التاريخ الفكري بالمغرب والتي يطالعها الناس دون طائل.. أو دون أن يتمكنوا من استنباط خلاصات محددة.. أو لعلهم يستطيعون تحقيق ذلك بعسر يفوق الحصول على حليب عصفور كما يقال!
يقدم كتاب «السلفية والإصلاح» للدكتور عبد الجليل مقاربة مؤلِّفة بين مقولات منهجين، تاريخي راصد للمؤثرات.. وبنيوي ضابط للمكونات.. بأسلوب تناظر فلسفي يجعلك تقرأ كأنك تسمع.
في الحال والمقام لاتفرق بين عبد الجليل كاتبا أو متحدثا (الأسلوب هو الرجل).
يدرس عبد الجليل الخطاب السلفي الإصلاحي بالمغرب في ظرفياته وملابساته الموضوعية.. في مفاهيمه وعلائقه الفكرية.. في تجلياته وتشعباته النسقية فيلاحظ كيف أن الشاطبي ـ وهو عصريّ ابن تيمية ـ تميز عنه فكرا واجتهادا مما جعل سلفيته قائمة الذات معرفة ومنهجا.. تنظر إلى الفروع من خلال الأصول.. وتستقرئ الكليات الشرعية والعقلية المعتبرة أصولا لبناء معرفة المقاصد.. وهي موسومة بالجدة لارتكازها على العقل.. ولتجذرها في منابت الكلاميين والفلاسفة وعلى رأسهم ابن رشد.. ومن هذا المعين نهل سلفيو المغرب ومصلحوه من أمثال الناصري والسملالي والدكالي والعلوي والسوسي والفاسي..
درس عبد بالجليل الخطاب السلفي الإصلاحي بالمغرب من حيث مفاهيمه وعلائقه وتجلياته في قضايا الإصلاح العام والاجتهاد والتحديث بانسجام تام مع خلاصات أطروحته الأولى المتمحورة على معاينة وتفكيك «الأثر الشاطبي في الفكر السلفي بالمغرب» منتهيا إلى خلاصات
أولها: ترسيخ الشاطبية لمشروع معرفي ومنهجي عقلاني في البيئة الإسلامية ،إسهاما منها في تطوير التراث الفقهي الأصولي بما يلائم قضايا العصر وتطورات الأوضاع وبالاعتماد على مبادئ العقل وتوظيف الاستدلال والاستنباط بدل التأويل والظن.
ثانيها: الحضور القوي للشاطبية في الفكر السلفي الإصلاحي بالمغرب.
ثالثها: اتسام السلفية الإصلاحية بالمغرب بـ:
أ ـ الوفاء لمفهوم النص واعتماد القياس كما أقره الأصوليون.
ب ـ التركيز على المنهج بدل المذهب.
ج ـ تبني قيم ومبادئ التجديد والتحديث.
د ـ الدعوة إلى التغيير دون إقصاء التراث.
هـ ـ المساهمة في تأصيل قيم المجتمع المدني بالمغرب.
وقفت طويلا عند الفصل الذي تحدث فيه عبد الجليل عن اللقاء الفريد بين السلفية والتصوف متخذا من العالم محمد المختار السوسي علامة مضيئة لهذا الالتقاء.. منتقيا عبارة بالغة الدلالة، قوية الإشارة لانتماء عالم سوس والمغرب إلى السلسلة الذهبية للتصوف، وردت العبارة في كتابه «منية المتطلعين إلى من في الزاوية الإلغية من الفقراء المنقطعين».
يقول السوسي: «إنما أنا محب للقوم.. وأرجو بهذه المحبة أن أحشر معهم.. والمرء مع من أحب..». هي إذن محبة ربانية يتعلل بها بكل شيء.. ولا يتسلى عنها بشيء..
في هذا المقام كان في كتاب الصديق بادو شفاء الغليل
.