sábado, noviembre 07, 2009

المهدي بنبركة وعبدا لله العروي: استكشاف تجربتين

المهدي بنبركة وعبدا لله العروي: استكشاف تجربتين

المهدي بنبركة وعبدا لله العروي: استكشاف تجربتين

مراجعة: حسن جابر

ينطوي الكتاب على معالجتين ثريتين تصلحان، بالرغم من مرور عقود على إثارتهما، لتكونا مادة نقاش راهنة، وقد وُفّق الكاتب في جمعهما معاً، نظراً لتكاملهما، فالمعالجة الأولى تمحورت بصورة أساسية حول دراسة شخصية ومواقف المهدي بن بركة، والثانية تناولت بالنقد أفكار عبدلله العروي، ومع أن الشخصيتين لم تحرثا في حقلٍ واحد إلا أن ما يجمعهما هو هم واحد، هو هم التغيير.

تضافرت عوامل كثيرة، في المغرب والمحيط الإقليمي، بانتقال الحركة الاستقلالية من مستوى الضغط الشعبي السلمي إلى العمل المقاوم، ففي الداخل، تحولت العلاقة بين محمد الخامس والحكومة الفرنسية إلى علاقة مأزومة بعد تعيين الجنرال "جوان" مقيماً عاماً لفرنسا في المغرب سنة 1951، وقد لاقى هذا التحول جملة مؤثرات خارجية كنموذج الحركة الفدائية "الماوماو" في كينيا، فضلاً عن الدور الفاعل لإذاعة "صوت العرب"، الأمر الذي جعل الجيل الجديد في المغرب ينتقل "بالعمل الوطني" إلى مرحلة العمل الفدائي، خصوصاً بعد نفي محمد الخامس في غشت 1953.

مهّد العمل الفدائي، المشار إليه، لعملية الانفصال عن حزب الاستقلال التي حدثت سنة 1959، والتي عبّرت عن تطلعات جيل الشباب الذي تجاوز قضية إرجاع محمد الخامس في تشرين الأول 1955، ولم يتراخ بعد نيل المغرب استقلاله سنة 1956. وتعكس المحاضرة التي ألقاها المهدي بن بركة تحت عنوان "مسؤولياتنا" سنة 1957 حالة القلق التي كانت تسود الأوساط الوطنية من "كون الأمور في عهد الاستقلال قد أخذت تسير على غير ما كان منتظراً".

تزعّم المهدي حركة 25 يناير 1959 الرامية الى الانفصال عن حزب الاستقلال، كما أسلفت الإشارة، إلا أنه ما لبث أن وجد نفسه، بعد شهرين أو ثلاثة، وحيداً، فميزان القوى قد تحول لصالح من يتكلم باسم "الطبقة العاملة" أو "المقاومة" لسبب بسيط هو أن المهدي لم يكن "يعرف الزبونية ولا الحلقية، ولم يكن محاطاً بأي نوع من أنواع القبيلة"، كما أنه لم يكن ينتمي إلى مجتمع العائلات، الأمر الذي جعله يعيش غربة على مستوى خريطة القوى ذات الوزن على صعيد المجتمع، وعلى مستوى "القوات الشعبية" في "الاتحاد الوطني"، وقد يفسّر، هذا الواقع غيابه الطوعي لمدد طويلة خارج البلاد بين سنتي 1959 و1965 تاريخ اختفائه عن المسرح السياسي وبالتالي مقتله.

يقدّم الجابري شخصية المهدي كونها شخصية عملية تمقت البيروقراطية والتنظير عن بعد، فهو لم يُمارس مهمته في التنظيم داخل مقر الحزب وبين الأوراق والهاتف و"اللقاءات اليومية مع الحواريين"، بل كان يمارسها متحركاً بين الأقاليم محاضراً ومتواصلاً مع المسؤولين المحليين، ومثل هذا الحضور الدائم في غير مكان أثار مخاوف الرفاق، فغدا الحديث عنه "يعمر المجالس" ويتردد في الكواليس، وهو ما يفسر غيابه الطويل في الخارج لا خوفاً من السلطة فحسب وإنما لإراحة المرتابين منه في التنظيم.

هذه الشخصية الفذة التي تنطوي على معرفة بالواقع بما يحاك للمغرب، لم تُترك وشأنها، وإنما تحولت كما هو شأن القيادات الحرة الواعدة، إلى هدف يُرشق بالسهام من كل جانب، خصوصاً من العناصر التي تدور في فلك القصر كـ"كديرة" و"أوفقير"، وليس غريباً، بناء على ما تقدم، أن يكون "أوفقير" على رأس من أدينوا من طرف القضاء الفرنسي باختطاف المهدي. أما الدافع، فتدل القرائن، كما يذكر الجابري، أنه لم يكن من "أوفقير" نفسه، وإنما باعتباره منفذاً لأوامر سادته.

لقد أدرك المهدي، أن الاستقلال الذي نالته المغرب ليس سوى استقلال مزيف، وأن أوروبا عازمة على إدامة الهيمنة على إفريقيا، وقد رفدته التجارب المجاورة في القارة بالمعطيات والقرائن التي عمّقت وعيه بحقائق الأهداف الأوروبية، وهذا الوعي، كان كافياً لإطلاق شرارة تصفيته وإخراجه من مسرح العمل الوطني الى الأبد.

بموازاة هذه الشخصية السياسية المستلهمة وعيها من نبض الواقع ومنطق الأشياء، يتناول الدكتور الجابري شخصية أخرى لم يبتلّ ثوبها بنهر الواقع، وإنما تخيّرت لنفسها حقلاً آخر لا تماثل في شيء نهر المهدي ومخاطره، وهي شخصية الأستاذ عبدالله العروي.

أما سبب إدراج مناقشة أفكار العروي في الكتاب فيدرجه الجابري في اللحظة التي كانت حركة التحرير الشعبي تستعد لعقد مؤتمرها الاستثنائي الذي كان "يعني استئناف النضال الجماهيري من أجل الديمقراطية، النضالية التي خاضها المغرب وما أنجزته من تحديث فكري، سياسي واجتماعي.

إن "المنطلق النضالي" هو الذي حدا بالدكتور الجابري إلى مناقشة أطروحات العروي من زاوية فكرته، مستدركاً بأن هذه الأطروحات هي "أكثر قرباً إلى الهيغلية منها إلى الماركسية". وفي إطار ملاحظات الكاتب الأولية على العروي يشير إلى أن الأخير لا يطرح إشكالياته طرحاً قاعدياً، أي على مستوى قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، وإنما يطرحها فوقياً، أي "على مستوى الفكر وحده"، مستوى المكتسبات الفكرية الليبرالية. فالعروي عندما يربط إشكالية مثقف العالم الثالث ووعيه بالتأخر بإشكالية المثقف الألماني ينسى كلياً الفرق بين الوضعيتين: وضعية ألمانيا، التي لم تتعرض للاستغلال الاستعماري، ووضعية العالم الثالث الذي عانى ويعاني من الاستعمار والامبريالية، فعامل الاستعمار مغيّب تماماً، في فكر العروي، على الرغم من كونه عنصراً أساسياً من عناصر إشكالية مثقف العالم الثالث والمثقف العربي بالذات، الأمر الذي انعكس على آرائه ونتائج تحليلاته، وهو ما جعل "تفكيره مهزوزاً" مقطوع الصلة بالواقع. فالمسألة، برأي الجابري "ليست مسألة برهان عقلي محض بل إنها مسألة واقع مشخّص، فلا بد من الربط بين الفكر والواقع، وإلا ابتعدنا عن جادة الصواب!.

وعندما ينادي العروي باجتثاث الفكر السلفي، يقبل، بالمقابل، أن تكون ثقافتنا المعاصرة تابعة لثقافة الغير، والبديهي، كما يلفت الجابري، أنه لا يمكن القيام بثورة ثقافية بواسطة التبعية الثقافية للغير.

أما محاولة تبرئة الليبرالية "الأصلية" وتنزيهها عن نتائج تطورها الذاتي، فهو عمل غير مشروع، بل وغير ديالكتيكي، بنظر الجابري، لأن الاتجاهات المعادية لليبرالية (ليبرالية القرن التاسع عشر) هي ليست معادية، بل هي شكل من أشكالها ونتاج تطورها.

ويتوقف الجابري عند تصور الأستاذ العروي للتغيير في العالم العربي، فيراه منكوساً، لأن "تشييد القاعدة الاقتصادية" بنظر العروي، يأتي بعد تشكيل النخبة التي على عاتقها تقع مهمة تحديث الأمة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، وهنا يتساءل الجابري، كيف يمكن "للفكر العصري أن يغذي نفسه بنفسه"؟ "أوليس الفكر انعكاساً للواقع، وللقاعدة الاقتصادية بالذات"؟.

ويستفيض الجابري بمناقشة ونقد أفكار العروي، التي لا يتسع المقام لمتابعتها، غير أنه يخلص إلى نتيجة أن العروي أنكر "الصراع الطبقي" عملياً ووضع محلها "النخبة"، ولم ينفع العروي الاستنجاد بـ"غرامشي" لأن الأخير لا يرى الطليعة الفكرية المناضلة إلا في إطار التحامها بالجماهير بحيث تستمع، أي الطليعة، إلى صوتها وتستفيد منها في الوقت الذي تعمل الطليعة على تعميق وعيها (أي الجماهير).

نكتفي بهذا المقدار، وبإمكان القارئ المهتم العودة الى الكتاب ومتابعة النقد الذي لا يخلو من الجاذبية والدقة.

martes, noviembre 03, 2009

ذكرى رحيل.. عبد اللطيف شهبون

رحيل..

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
استلمت في الأسبوع المنصرم من «سعد» (نجل المرحوم حسن المفتي) ظرفا تضمن أوراقا سطر فيها سعد بعض المحطات الدالة من المسير الحياتي والفني لوالده.. وأرفقها بنماذج من زجلياته.. وصورا لمختلف مراحل عمره مسجلة على قرص مدمج.. وعينات من كتابته السردية والمقالية..
ليس في نيتي أن أتوسع في الكلام عن الفقيد حسن، فالحديث عنه أوسع من أن يعالج في سطور..
لكن رسالة سعد بمشمولاتها.. أعادت إلي صورة المرحوم، وهو شاعر ذو موهبة كبيرة.. واضح كالشمس.. نضر الروح مثل قصيدة صوفية.. شاعر حاذق لتخير حروف كلماته.. وتختاره الكلمات وردة.. شعلة.. قنديلا ومنارة..
حملت إلي رسالة سعد بشارة اهتمام وزارة الثقافة المغربية بنشر الأشعار الكاملة لعميد وأمير الزجالين حسن المفتي أو «بيرم الصغير..» الذي تخلد أشعاره في الوجدان الفني للمغاربة..
بعث إلي سعد بـ:
* «هذيان» وهي آخر زجلية كتبها المرحوم (خريف 2006).
* «ياحسرة على العباد..» (خريف 2006، في وصف حال انفراط عقد المنظومة الأخلاقية..).
* «غابو لحباب» (نظمها المرحوم سنة 1980.. وبعد تثقيفها ضمنها فيلم «دموع الندم» في مشهد وفاة والد بطل الفيلم.. ولحنها عبد القادر الراشدي ثم أداها محمد الحياني..).
* «انطفاء» (وهي زجلية كتبت عام 1968 ونشرت بمجلة «أنفاس»).
* «خيال..» (وهي من النصوص الأثيرة عند المرحوم حسن المفتي.. يقول سعد: كان (والدي) يقول لي: اقرأ لي «خيال».. ثم يظل بعد إتمام القراءة يتمتم بالمقطع الأخير.. وهو شارد..).
* «دارنا القديمة» (وقد كتب سعد في ذيل هذا النص: «.. وتحققت النبوءة.. وعاد حسن إلى تطوان، لينعم فيها بالراحة الأبدية..».
وقد هزتني هذه الزجلية وأحزنتني فآثرت كتابتها في هذا المقام:
«مَهْمَا الزَّمَانْ يَطْوِي عُمْرِي
أنَا عُمرِي
ما نَنْسَاكْ يَادَارْنا الْقْدِيمَهْ
اِسْمِي مَكْتُوبْ فْ جُدْرَانَكْ
رْنِينْ خَطَوَاتِي فْ مْرَاحَكْ..
وأَفْرَاحَكْ..
ساكْنَهْ فْ عْمَاقِي مَنْ دِيمَا
مَنْ شُبَّاكَكْ عْرفْتْ النُّورْ
وْغَنَّى لِي أَجْمَلْ عُصْفُورْ
أَحْلَى غُنْيَهْ
خَلَّانِي مَفْتُونْ بِالدُّنْيَا
كَنْشَوفْهَا زَهْرَهْ وتَبْسِيمَهْ
* * *
مْعَاكْ.. وْفِيكْ عِشْتْ حْيَاتِي..
ذِكْرَيَاتِي
وْشُفْتْ خْوَاتِي
زْهُورْ كَتَكْبَرْ.. وتْفَتَّحْ
وقْلُوبْ مَ الفَرْحَة كَتْجَنَّحْ،
وكَتَلْعَبْ.. وكَتَمْرَحْ
وَفْ حُضْنْ الوَالْدِينْ كَتَلْقَى
دِفْءْ الأَمَانْ..
طَعْمْ الحَنَانْ
والبَراءَه لِّلي فْ عَيْنِيهُمْ
كَتسْعَدْنَا،
وَتْزَوَّقْ دَارْنَا بِالبَهْجَهْ
وَتَزْرَعْ الحُبّْ فْ صَدْرِي
* * *
مَهْمَا الزَّمَانْ يَطْوِي عُمْرِي
أَنَا عُمْرِي
مَانَنْسَاكْ يَادَارْنَا الْقْدِيمَه
حَنِينِي لِيكْ كَيْفُوقْ الحَدْ
وَعِشْقِي لِيكْ ماعَنْدُو حَدْ
صَبَابَه.. وَجْدْ
وحُلُمِي فْ لِيلِي ونهَارِي
وبإصْراري.. واخْتيارِي
أنا راجع لَكْ ياحِّبي
يرتاح قلبِي
ينام فْ احضَانْ السَّكِينهْ
المَاضِي يَتْحَوَّلْ حَاضِر
وعِطْرُو الفَوَّاحْ يَروينَا
النَّغَمْ.. يَحيَا مَنْ تَاني
فْ عْرُوقي.. وفْ قلبي يَسْرِي
مَهْمَا الزَّمَانْ يَطْوِي عُمْرِي..
إلى روح «بيرم الصغير» الروح الطاهرة التي رجعت إلى ربها راضية مرضية تحية وسلام.. إلى المرحوم حسن المفتي في ذكرى رحيله الأولى.