martes, enero 19, 2016

مزوار الإدريسي مراجعة لزمن الكتابة بالإسبانية في المغرب










مراجعة لزمن الكتابة بالإسبانية في المغرب
مزوار الإدريسي
19 يناير 2016
للثقافة حظٌّ في تمثيل ما بالوُسع وصفُه بـ "الاستثناء المغربي"، ويحضرنا في هذا الصدد ما أصبح يُتعارَفُ عليه في الوسط الثقافي المغربي بالأدب الهِيسْبانُومغربي، ويُقصَدُ به ما غدا ظاهرةً حقيقيّةً شهِدَها المغرب، خصوصاً شمالَه الذي عاش الاستعمارَ الإسباني بين عامي 1912 و1956 في نسخة طريفة ومُلطَّفة ابتكرتْ لنفسها تسمية "نظام الحماية".
ففي الوقت الذي استفردتْ فيه فرنسا بالمنطقة الوسطى، وسمَّتْها المنطقة السلطانية، وسَمَت إسبانيا ما استحوذتْ عليه في الشمال بالمنطقة الخليفية (نظراً لإقامة خليفَةِ سلطان البلاد بها ممثِّلاً للسلطة الشرعية)، إضافة إلى الصحراء.
لم يقتصر الوجود الاستعماري الإسباني على الهيمنة عسكرياً وإدارياً، بل عزَّزَه اقتصادياً وثقافياً أيضاً، فكانت حصيلةُ هذا الحضور الإسباني في شمال المغرب ظهورَ المسارح والمعاهد الموسيقية والجمعيات الثقافية والمجلات، والكُتب وعيدُها السنوي والمكتبات والمتاحف، وغيرها. وكانت من نتائجها أيضاً ظهور أدبٍ مكتوب باللغة الإسبانية موازٍ للأدب الإسباني في جغرافية ثقافية غيرِ إسبانية اللسان.
قد تكون وراءَ ظهور هذا الأدب الإسبانيِّ اللسان استعداداتٌ ثقافية أصْلُها عواملُ تاريخية تعود إلى الماضي المشترك بين الأندلس والمغرب، يُضاف إليها الاحتلال الإسباني المعروف بـ"الحماية"، الذي اتخذ لذاته طابَعاً تعايُشيّاً وتشارُكيّاً خاصاً، بخلاف ما كان يقع للمغاربة من قبل الفرنسيين في باقي بلاد المغرب الكبير.
لكنّ الأكيد هو أنّ تدريس اللغة الإسبانية باعتبارها لغة ثالثة في التعليم الثانوي المغربي، إضافةً إلى ظهور شُعَب اللغة الإسبانية بكليات آداب المغرب، زيادةً على هجرة الطلبة واليد العاملة إلى الجارة إسبانيا، ناهيك عن وجود ستة معاهد ثربانتيس بالمغرب (وهو أكبر عدد لهذه المعاهد خارج إسبانيا) كلُّ ذلك أسْهمَ في بروز كتابة أدبية إبداعية بالإسبانية في المغرب ميَّزتْهُ عن باقي العالَم العربي، بما في ذلك عن الأدب الهيسبانومغاربي، أي الذي يُدْرَجُ ضمنَه أيضاً مُبدِعون باللغة الإسبانية قلائلُ من الجزائر وتونس.
"يفتقد الأدب المكتوب بالإسبانية إلى استمرارية أسمائه
"
ويُمكن الذَّهاب إلى أنّ حاضنة الإبداع الأدبي الهيسبانومغربي تمثَّلتْ بالأساس في مجلَّتي "المعتمد" و"كتامة" وفي مطبوعات "اعتماد" التي نشرتْ إصداراتٍ شعرية لمغاربة وإسبان.
أثار وجود هذا الأدب إشكالاً في التسمية، وقد عالجَه الناقدُ المغربي الهيسباني إدريس الجبروني في مقال له بعنوان: "مكْرُ الأدب المغربي المكتوب بالقشتالية"، في معرض انتقاده لكِتاب "أنطولوجية الأدب المغربي بالقشتالية" الذي أصدره الكاتبان محمد شَقُّور وسِيرْخِيو ماثِيّاسْ، مُستنِداً إلى ما ذهب إليه المفكر المغربي عبد الله العروي في سياق انتقاده للأدب الفرنسي المكتوب في شمال أفريقيا، حين اعتبره أدباً عابراً ومتحوِّلاً وظرفياً، ذا فقر في التعبير، وأنه فرْعٌ جهوي ومحليّ لثقافة يوجَد مركزُها في مكان آخر.
ويَضعُنا الاختلاف في تسمية هذا الأدب أمام توصيفيْن على الأقل؛ هما: الأدب المغربي بالقشتالية، والأدب الإسباني المكتوب من قبل مغاربة، وأُضيفتْ تسميةٌ جديدة هي "الأدب الهيسبانومغاربي"، استقرَّ عليها "ملتقى غرناطة للكتّاب المغاربيين الهيسبان"، الذي انعقد يوميْ 18 و19 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تحت شعار "الإسبانية جسرٌ للتواصل بين إسبانيا والمغرب الكبير".
وباستثناء إدريس الجبروني الذي نشر قصائدَ، بدايةَ السبعينيات، في "جريدة إسبانيا" وفي مجلة "كاسا دي لاسْ أميريكاس" الكوبيّة، فإن مشكلة هذا الأدب تكمن في أنه لم يعرف استمرارية، ولو أن اللغة والأدب الإسبانيين كانت لهما شُعَبٌ في الجامعات المغربية، لأن الأخيرة لم تكن تستهدف سوى تكوين أساتذة في اللغة الإسبانية لتدريسها في الثانويات، وفي أحسن الأحوال لإنجاز بحوث أكاديمية ظلَّتْ حبيسة المكتبات الجامعية، ونُشرتْ بعضُها فصولاً مُجْتَزأةً في مجلات تلك الجامعات.
لقد توقَّفَ هذا الأدب عن الحضور نهايةَ الخمسينيات من القرن الماضي، لكنّه عادَ لينتعش في بداية التسعينيات، على الرَّغم من عدم اعتراف المؤسسة الثقافية في إسبانيا -مُمثَّلةً في دور نشرها الكُبرى- بهذا الإنتاج بنشرِه في سلسلاتها الشهيرة، ما دفع هؤلاء الكُتّاب إلى طبع أعمالهم على نفقتهم الخاصة، في أغلب الأحوال، على خلاف الأدب الفرانكوفوني المغربي الذي تتلقّفه دور النشر الكبرى في فرنسا، وتحتفي بها المؤسّسات الأدبية والإعلامية.
حالِياً، يجترح ممثِّلو هذه الكتابة الفريدة في المغرب الشعرَ والقصة والرواية، ولبعضهم الآن حضور في بعض الأنشطة الثقافية في إسبانيا، لكنه حضور لا يوازي ما كان لروادهم مثل عبد اللطيف الخطيب، ومحمد التِّمْسماني، وحكيم بن عزوز، ومحمد الصباغ، الذين اعتُرِف لهم بقيمة أعمالهم الإبداعية، والذين كانوا على صلة وثيقة بأدباء إسبانيا الكِبار، حتى إنهم كانوا ينشرون نصوصهم إلى جانبهم.
"لا يستفيد المغاربة من دعم دور النشر الإسبانية الكبرى
"
كثيرون نسبياً هم هؤلاء الهيسبانومغاربة؛ منهم من رحل كمحمد شَقور ومحمد الصيباري ومُحمد مامون طه، أما أهمُّهم في الوقت الحاضر مِمّن حقَّقوا حضوراً إبداعياً ملحوظاً، بل وتراكُماً في بعض الأحيان؛ فهم: محمد العشيري ومحمد بويسف الركاب وأحمد محمد مغارة وعبد الرحمان الفاتحي وعزيز التازي ومفيد عطيمو ومحمد أقلعي وسعيد الجديدي، إضافة إلى أسماء أخرى لها نصوص متفرّقة هنا وهناك كمحمد المساري ورشيدة الغرافي وليلى الغالي وخليل طريبق ونسرين بن العربي، ناهيك عن بعض الدارسين مثل عبد اللطيف الإمامي ومحمد اللعبي وأحمد الكَمون.

وعلى الرغم من عدم إدراك هذا الأدب القوةَ والمكانةَ التي أدركها الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية بأسمائه المغربية المعروفة كالطاهر بنجلون وإدريس الشرايبي وخير الدين وفؤاد العروي، وغيرهم، فإنّ الشيءَ الأكيدَ هو أنه قد لفتَ الانتباه إليه بدليل اهتمام بعض الأكاديميين به في الجامعة الأميركية مثلاً، كالباحث الأرجنتيني الأصل كريستيان رِشِّي Cristián Ricci الذي أصبح من المتخصّصين فيه، وخُوسي سارِيّا من إسبانيا الذي لا يفتأ يشجع مُبدعيه ويُنظّم ملتقيات خاصة بهذا الأدب، كان آخرها ذلك المؤتمر الذي عُقِدَ في غرناطة منذ شهرين، بتنظيم من جمعية كُتّاب إسبانيا -فرع الأندلس.




http://www.alaraby.co.uk/culture/2016/1/19/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8

lunes, enero 04, 2016

هيرش يكشف معلومات خطيرة عن الحرب على سوريا.. أوباما كان يعلم

الكاتب الصحافي سيمور هيرش
هيرش يكشف معلومات خطيرة عن الحرب على سوريا..
أوباما كان يعلم

23 كانون الأول/ ديسمبر
2015

الكاتب الصحافي سيمور هيرش ينقل عن مصدر سابق في البنتاغون أن الرياض لم تكن المشكلة الوحيدة أمام التوقف عن تسليح الجماعات المتطرفة في سوريا، فالاستخبارات الأميركية جمعت معلومات تثبت بأن حكومة أردوغان دعمت جبهة النصرة لسنوات، وأنها اصبحت تقوم بالشيء نفسه مع داعش.
هيرش: معسكر تدريب "المعارضة المعتدلة" بإدارة "سي آي اي" في الأردن كانت تسيطر عليه مجموعة قبلية سورية.
هيرش: معسكر تدريب "المعارضة المعتدلة" بإدارة "سي آي اي" في الأردن كانت تسيطر عليه مجموعة قبلية سورية.
لم يستمع أوباما إلى تحذيرات وكالة الاستخبارات الدفاعية حول ما يحدق من مخاطر في حال الإطاحة بالرئيس الأسد. يقول مسؤولون في البنتاغون إن الرئيس الأميركي تأسره صورة الحرب الباردة والصين وروسيا، وأن حقيقة أن كلا البلدين يشاركانه القلق نفسه من تفشي داعش والإرهاب، لم تغير من موقفه في شيء.
الكاتب الأميركي "سيمور هيرش" فجر قنبلة أمس عندما تحدث عن اختلاف بين البيت الأبيض والقيادة العسكرية الأميركية حول مآل الأمور في سوريا. تحدث عن تقييم سرّي أعدته الاستخبارات الدفاعية الأميركية في العام 2013، أدار البيت الأبيض له أذنه الصمّاء.
في صيف ذلك العام، لم تكن الأزمة الليبية قد انتهت. كان قد مرّ على بداية أحداث سوريا عامان. كانت سبحة "الربيع العربي" تكر وكانت الـ "سي آي آي" تنشط في إرسال السلاح واللوجستيات من ليبيا إلى "الثوار" في غير مكان لاسيما سوريا، على اعتبار أنهم مقاتلون معتدلون. في المقلب الاستخباراتي العسكري، كان التقييم أقرب إلى السوداوية.
يقول مستشار سابق في البنتاغون لهيرش إن ما بدأ كبرنامج سرّي أميركي لتسليح "المعتدلين" ممن يقاتلون الأسد تحوّل بمساعدة تركية إلى تدفق للسلاح والمقاتلين والتقنيات واللوجستيات إلى كل "المعارضة المسلحة" بما في ذلك جبهة النصرة و داعش. "الجيش الحر"، يكمل المستشار، كان مجموعة صغيرة متمركزة في قاعدة جوية في تركيا. بالنتيجة جاء التقييم كئيباً: لا توجد معارضة معتدلة تقاتل الأسد، والولايات المتحدة تسلّح المتطرفين الذين يسيطرون على المعارضة المسلحة، وتركيا هي المعيق الوحيد لتطبيق سياسة أوباما اتجاه سوريا وتسليح معارضة معتدلة.
هاجس رحيل الأسد الذي استسلمت له الولايات المتحدة مؤخراً بحسب الواشنطن بوست أعمى بصيرة البيت الأبيض عن البديل. "أي بديل هو أفضل من الأسد" كان هدف القيادة المدنية الأميركية. ولكن من البديل إذا كان المتطرفون يسيطرون على المعارضة؟ يقول المدير السابق لوكالة الاستخبارات الدفاعية "مايكل فلين" لهيرش إنه لو عرضت التقارير الاستخباراتية الحساسة التي كنا نصدرها عن النتائج الوخيمة لسقوط الأسد في هذه الحالة لقامت القيامة. ماذا يصنع المستوى العسكري الأميركي، وهو يعلم أن فرص معارضته لسياسة أوباما خاسرة لا محالة، وهو حاول أيضاً حث الأتراك على وقف تدفق المقاتلين الأجانب من دون جدوى؟ 
في خريف العام 2013، يقول مستشار البنتاغون السابق لهيرش، قررت هيئة الأركان المشتركة اتخاذ خطوات من خارج القنوات السياسية: جيش لجيش. هي تعلم أن القيادة العسكرية السورية لم تنقطع علاقتها بقيادات عسكرية كثيرة في العالم، على رأسها الألمانية والروسية. تقرر حينها إرسال التقارير الاستخباراتية العسكرية الأميركية إلى أكثر من جهة نظيرة، علّها تصل بطريقة أو بأخرى إلى الجيش السوري وتستخدم ضد التهديد المشترك، جبهة النصرة و داعش.
بحسب مستشار البنتاغون السابق، بدأ تدفق المعلومات حول أماكن تواجد المتطرفين ونواياهم اتجاه الجيش السوري، وفي المقابل كانت سوريا تعطي معلومات عن قدراتها ونواياها. "لم تكن محاولة للالتفاف على أوباما بقدر ما كانت هيئة الأركان المشتركة مقتنعة بأن أمراً جيداً سيتمخض عن ذلك. إن بقي الأسد في السلطة فليس لأننا قمنا بذلك، بل لأنه كان ذكياً لاستخدامه هذه المعلومات والنصائح التكتيكية التي وفرناها للآخرين"، ينقل هيرش عن المستشار.
يصف مستشار هيئة الأركان المشتركة السابق الرئيس الأسد بأنه كان متعاوناً مع الأميركيين في مكافحة الإرهاب وحركة الإخوان المسلمين في سوريا وألمانيا، وكيف أن استخباراته أحبطت هجوماً للقاعدة على قيادة الأسطول الخامس في البحرية الأميركية في البحرين، وأن واشنطن في المقابل كانت فظّة معه "وخرقاء في التعامل مع الذهب (المعلومات الاستخبارية) التي كان يرسلها إلينا". هذا التاريخ من التعاون، يضيف المستشار، جعل قبول دمشق بهذا التعاون الاستخباراتي غير المباشر مع الولايات المتحدة أمراً ممكنا في العام 2013.

وينقل هيرش عن المستشار أن هيئة الأركان المشتركة أرادت من دمشق في المقابل منع حزب الله من مهاجمة إسرائيل، وإحياء المفاوضات المتوقفة مع تل أبيب حول الجولان، والقبول بمستشارين عسكريين روس وغير روس على أراضيها، والالتزام بانتخابات بعد الحرب تشكل مروحة من الفصائل السورية (المعارضة). سوريا أرادت تأكيدات بأن الأميركيين وغيرهم جادّون في طرحهم للمساعدة: رأس بندر بن سلطان.
صديق للأسد أوصل إلى هيئة الأركان المشتركة أن بادرة حسن النية الأميركية اتجاه الأسد تكون بإزاحة السفير السعودي السابق في واشنطن والأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي، والمنظر الأساسي للإطاحة بالأسد بندر بن سلطان. استقال الأخير من منصبه العام 2014، ولكن السعودية بقيت ممولاً رئيسيا للمعارضة السورية (التي تسيطر عليها المجموعات المتطرفة) بمبلغ ناهز الـ 700 مليون دولار حتى عام استقالة بن سلطان.
يكمل مستشار هيئة الأركان المشتركة السابق بالقول إن وكالة الاستخبارات الدفاعية أرادت تطمين الأسد أكثر. في ذلك الحين كانت وكالة الاستخبارات المركزية تدير عمليات نقل الأسلحة من ليبيا إلى تركيا ثم إلى المقاتلين المتطرفين في سوريا، وما كان من سبيل لوقف ذلك لأنه بطلب مباشر من الرئيس أوباما. ما قامت به هيئة الأركان المشتركة هو أن اقترحت على وكالة الاستخبارات المركزية أن تقوم بنقل الأسلحة التركية إلى سوريا، تحسباً للوقت وللكلفة. كانت الهيئة تثق بمعارضي أردوغان، واتكلت على شحن الأسلحة القديمة للمقاتلين بما في ذلك بنادق أم-1 التي لم تستخدم منذ الحرب الكورية. الرسالة من وراء ذلك للأسد، يقول المستشار، هي أن هيئة الأركان تستطيع إضعاف سياسة الرئيس بأساليبها.
جاء تدفق المعلومات الاستخباراتية ودخول الأسلحة القديمة إلى المسلحين بحسب المستشار في وقت دقيق جداً، كان الجيش السوري فيه يتلقى ضربات قوية من النصرة وداعس. ولكن ما أن أثمرت الخطوة تقدماً للجيش السوري على الأرض، حتى قامت السعودية وقطر وتركيا بضخ الأموال للنصرة و داعش، وانعكس ذلك سيطرة للتنظيمين على جهتي الحدود السورية العراقية. 
تفاقمت سيطرة التنظيمات المتطرفة في سوريا وباءت محاولة وكالة الاستخبارات الأميركية تدريب مقاتلين "معتدلين" (أقل من 100) لقتال داعش والنصرة بالفشل. اتجهت السي آي آي إلى جمع قادة الاستخبارات العربية (السنيّة) في محاولة منها لإقناع السعودية بوقف دعم المتطرفين في سوريا. النتيجة كانت بحسب المستشار، أن السعودية زادت من حجم دعمها لهذه المجموعات. لم تكن السعودية المشكلة الوحيدة. الاستخبارات الأميركية، يقول المستشار السابق لهيرش، كانت قد راكمت معلومات عن دعم تركيا لجبهة النصرة على مدى أعوام وأنها باتت تدعم داعش أيضاً. نستطيع التعامل مع السعودية ومع الإخوان المسلمين، يضيف المستشار، ولكن يمكن لتركيا زعزعة التوازن في الشرق الأوسط، وهو حلم أردوغان لإعادة السلطنة العثمانية.
لم ينقطع التواصل بين الأميركيين والروس طوال فترة الأزمة السورية. فبعيد اعتداءات 11/9 كان القلق الروسي من "الخلافة" في الشيشان يحاكيه القلق الأميركي من القاعدة، أما اليوم، فالقلق واحد ومن مصدر واحد. كلام أحد مستشاري البيت الأبيض السابقين هذا لسيمور هيرش لا ينفي حقيقة أن البيت الأبيض مستاء من الدخول الروسي إلى سوريا. فلاديمير بوتين لا يريد أن يسقط الأسد وتعم الفوضى وتقع سوريا في يد داعش. الرجل عسكري واستخباراتي مخضرم وله تجربة مريرة مع الناتو في ليبيا لا يريدها أن تتكرر في سوريا.
على عكس أوباما والقيادة المدنية الأميركية، تلتقي موسكو وهيئة الأركان المشتركة ووكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية على نقطة واحدة: لا توجد معارضة معتدلة في سوريا. كلهم إرهابيون يشكلون ما يشكلونه من تهديد على المحيط السوري وأميركا وروسيا وأوروبا وأبعد من ذلك.
جاءت الضربات الجوية الروسية في سوريا لتغير المشهد على الأرض لصالح الجيش السوري وحلفائه. جاءت أيضاً لتحرج البيت الأبيض الذي لم يسفر تحالفه لضرب داعش عن شيء يذكر. ولكن ما من شيء يغير رأي أوباما، ولا حتى دعوة الرئيس الفرنسي هولاند له بالتحالف مع الاتحاد الأوروبي وإعلان الحرب على داعش. وما زال أوباما يصر على نقاطه الأربع: على الأسد الرحيل، ولا إمكانية للتحالف مع روسيا لضرب داعش، وأن هناك معتدلين يمكن لأميركا أن تدعمهم في سوريا، وأن تركيا، التي خاطب رئيسها أردوغان بالقول "نحن نعرف ما الذي تفعلونه للأصوليين في سوريا"، حليف مخلص للولايات المتحدة. يقول المستشار السابق للكاتب الأميركي هيرش، إن تركيا هي المشكلة.
يتحدث هيرش أيضاً إلى السفير السوري في بكين، عماد مصطفى. تهديد داعش ليس بعيداً عن الصين حليفة سوريا، والتي قيل إنها رصدت مبلغ 30 مليار دولار لإعادة إعمارها بعد الحرب. يقول مصطفى إن إقليم شينجيانغ في أقصى الغرب الصيني تحده باكستان وأفغانستان والهند وطاجاكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومونغوليا وروسيا، وهذا في نظر الصينيين يخدم كبؤرة للإرهاب حول العالم وفي داخل الصين. المقاتلون الإيغور، يكمل مصطفى، يريدون إقامة دولة لهم في شينجيانغ والمقاتلون منهم في سوريا ينضوون تحت لواء الحركة الإسلامية في شرق تركستان، وتركيا تسهّل لهم دخولهم إلى سوريا. يقول السفير مصطفى إن الصين ترى أن الدور التركي في دعم المقاتلين الإيغور في سوريا قد يتوسع في المستقبل لخدمة الأجندة التركية في شينجيانغ. دمشق تقدّم أيضاً المعلومات الاستخباراتية عن هؤلاء لبكين وعن الطرق التي سلكوها للوصول إلى سوريا، بحسب مصطفى.
تهديد المجموعات المتطرفة التي دقت أبواب الولايات المتحدة وقبلها أوروبا لم تستدع تحركاً من أوباما. أما الصين، فقد تعاونت في هذا الإطار مع الهند، وأجرتا تدريبات مشتركة على مكافحة الإرهاب، علماً أن كلا البلدين كان عدوا للآخر إبّان الحرب الباردة ويكرهان بعضهما البعض أكثر مما تكره الولايات المتحدة الصين وبالعكس. فالمقاتلون الإيغور يراكمون الخبرات القتالية في سوريا ويتلقون التدريبات على تقنيات البقاء التي تمكنهم من العودة في رحلات سرّية إلى البر الصيني، تقول كريستينا لين الخبيرة بالشأن الصيني والتي خدمت في البنتاغون قبل عشر سنوات تحت قيادة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
"
إذا سقط الأسد، سيعود المقاتلون الشيشان والصينيون والكشميريون إلى بلدانهم لمتابعة "الجهاد" مدعومين من القاعدة السورية الجديدة في قلب الشرق الأوسط"، تقول لين في إحدى مقالاتها قبل ثلاثة أشهر.
الكل يرى وأوباما لا يريد أن يرى. المسعى العسكري الأميركي اتجاه الأسد اختفى مع تقاعد الجنرال الأميركي مارتن ديمبسي الذي خلفه على رئاسة هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد صاحب مقولة "إن روسيا تهدد الوجود الأميركي". يقول سيمور هيرش إنه أصبح لدى أوباما "بنتاغون" أكثر إذعاناً له، ولن تكون هنك محولات غير مباشرة من المستوى العسكري ضد سياسته اتجاه الأسد ودعمه لأردوغان. لمذا لم يستمع إلى الرسالة؟
المصدر:
London Review of books