viernes, agosto 28, 2009

مذكرات عبدا الله الزيري القرن الحادي عشر الميلادي بضمير المتكلم ترجمة إدريس الجبروني




مذكرات عبدا الله الزيري

القرن الحادي عشر الميلادي بضمير المتكلم

بقلم : ميرسيديس غرثياأرينال

ترجمة إدريس الجبروني

طنجة/ المغرب


لقد مثل القرن الحادي عشر الميلادي انهيار حكم الخلافة الأموية بقرطبة، وظهر على إثر هذا التفكك عدد لا يحصى من الإمارات التي أطلق عليها "دول الطوائف"، كما برز على المستوى السياسي والعسكري أشخاصا مجهولين أسسوا عدة ممالك، وكانت العلاقة بينها – تتأرجح بين علاقة تبعية متبادلة وتنافر وخصومة مفتوحة – وبين الممالك المسيحية بشمال إسبانيا قد جعلت من الأندلس في القرن الحادي عشر الميلادي عبارة عن فسيفساء تاريخية فاتنة.

ومع ذلك لم ينتج عن هذه التجزئة السياسية تدهور وانحطاط اقتصادي وثقافي، بل استمر النمو الاقتصادي والتجاري البارز الذي كان قد بدأ أيام الأمويين بقرطبة، وقد نجا هذا الاقتصاد من الخسارات التي سببتها الحرب الأهلية التي وقعت ما بين 1010 – 1013م بين العرب والبربر، لم يتكيف الاقتصاد القروي والحضري مع الوضعية السياسية الجديدة وحسب بل حقق حيوية عجيبة. واستعمل الغنى المتنامي لتموين الحروب الدائمة، والقوات الإفريقية، وأداء الجزية لـ "الفونسو السادس"، والبلاط الأدبي. وبالفعل فإن الأندلس بلغت عندئذ أعلى مستوى فكري في تاريخها، كما أن النشاط الفني والأدبي بلغ ذروته : إنها فترة ازدهار ثقافي لا مثيل لها، حيث تحولت كل مدينة إلى قرطبة صغيرة، وأصبح كل حاكم نصيرا وحاميا للآداب والفنون الجميلة، أو شاعر كبير مثل المعتمد بن عباد، ملك اشبيلية، أو المعتصم بألميرية.

ومن جهة أخرى، إن القرن الحادي عشر، كما وصفه "رامون مينينديث بدال" يعتبر أغنى قرن في تاريخ إسبانيا في الحركة الشديدة والحاسمة الحاسمة، أي "إسبانيا سيد"، وإذا أردنا الدقة أكثر : "إسبانيا الفونسو السادس"، حيث تم توطيد نفوذ وسيطرة قشتالة. إن هذا القرن كان فريدا من حيث البروز والتعقيد التاريخي فيما يرجع إلى إسبانيا المسلمة، وفي غياب المصادر التاريخية يمكن القول، لعله القرن الذي يعرف أسوؤ معرفة، لدرجة أننا لا نعثر على دراسة تاريخية تركيبية وتحليلية عن عهد دول الطوائف. إن "تاريخ إسبانيا المسلمة" الذي ألفه "ليفي بروفانسال"، هذا العمل المترجم إلى الإسبانية يضم مجلدين مخصصين لتاريخ الأندلس ضمن "تاريخ إسبانيا" الذي أشرف عليه "مينينديث بيدال" يتوقف عند سقوط حكم الخلافة بالأندلس. وضمن هذا الفقر العام للمراجع التاريخية تبرز حالة غرناطة، التي تخرج اليوم لأول مرة من الظلام التاريخي بفضل عائلة بربرية، وهي عائلة الزيري والفضل هنا يرجع إلى مصدرين تاريخيين من أهم المصادر.

المصدر الأول هو ديوان شعر لليهودي الغرناطي "صمويل ابن نغرلة" الذي عمل وزيرا مع أميرين زيرين بالتتالي، وتمدنا قصائده بأخبار تاريخية (نشر الديوان د.س. ساسون بلندن سنة 1934، وقدم دراسة عن مضمونه التاريخي 5 شيرمان).

أما المصدر الثاني، وهو أكثر أهمية من وجهة النظر التاريخية فهو كتاب مذكرات عبد الله الزيري آخر ملك من العائلية الملكية الزيرية، الذي حكم من سنة 467 هـ إلى سنة 483 هـ (1.075 – 1.090) وهي نفس السنة التي تم فيها خلعه من طرف المرابطين ونفيه جنوب المغرب، وبأغمات، إلى جانب أشهر ملوك الطوائف المعتمد بن عباد. يظهر أنه تمتع في هذا المنفى بحياة مرضية سارة، عكس المعتمد، وكتب عن أسلافه وعن نفسه وعن فترة حكمه. إن هذا الكتاب هو سيرة ذاتية، واحد من ثلاثة كتب صدرت من هذا الجنس إلى جانب كتاب "التعريف" لابن خلدون الذي ترجم إلى أول لغة أوربية وهي الإسبانية. وفوق ما سبق ذكره يبقى واضحا أن أهمية مذكرات عبد الله الزيري هي من الأهمية بمكان. لقد اكتشف المخطوط في العصر الحديث "ليفي بروفانسال" الذي نشر بعض أجزائه بمجلة "الأندلس" سنة 1935. وفي سنة 1953 كان الكتاب كله قد نشر جزءا في المجلة المذكرة (صدرت المذكرات في كتاب مستقل بالقاهرة سنة 1955) أعلن المؤرخ الفرنسي عن نشر الترجمة الإسبانية التي أنجزها التعاون مع المستعرب الإسباني "إميليو غرثيا غوميث"، وهذه هي الترجمة الإسبانية التي ظهرت اليوم ولأول مرة، ومهما طال انتظارها فإن القارئ والدارس لن يشعر بالغبن. إن مذكرات عبد الله الزيري ليست مصدرا تاريخيا من الدرجة الأولى وحسب بل هي بالإضافة إلى هذا وثيقة إنسانية وقراءتها مشوقة، وما يضفي عليها جمالا هي الترجمة الرائعة إلى الإسبانية التي أنجزها المستعرب "غرسيا غوميث".

وكما أعلن "غرسيا غوميث" في المدخل الدراسي الذي وضعه للكتاب أنه قسم هذه المذكرات إلى فصول متابعة للنص، ولم يكن الأصل العربي يحتوي على أي عنوان ولا على تقسيم داخلي.

وحسب هذا التقسيم فإن الفصل الأول والأخير من مذكرات عبد الله الزيري يشكلان بالتتالي المدخل وخلاصة الكتاب. يحتوي المدخل على مجموعة من الاعتبارات التمهيدية، حيث يحاول المؤلف من خلالها سلفا تحديد المؤرخ الموضوعي والإشارة إلى صعوبة اتخاذ موقف الحياد، بينما تحتوي الخلاصة على مجموعة من الاستطرادات في الكلام حول القدر وجبرية الإنسان، وهو ليس استنتاج شخصي للمؤلف بل إشارة إلى الأخلاق العامة السائدة. الصفحات الأولى والأخيرة سليخة ومحملة بما فيه الكفاية، يظهر من خلالها الملك عبد الله الزيري كرجل ذي ثقافة متوسطة وتعليلات نظرية ضعيفة، ومع ذلك تحتوي هذه الصفحات على بعض الأشياء يكشفها المؤلف عن شخصيته وحياته الخاصة والتي قدمها بنغمة استحضارية حميمية.

أما القسم الذي هو حقيقة تاريخية من المذكرات فيبدأ في الفصل الثاني، حيث يحكي فيه عن بداية العائلة الملكية الزيرية (ابتداء من سنة 1.002م) حتى وفاة بن حبوس، وهي صفحات مقتضبة وغامضة، غير ممنهجة، وليس لها هيكل أو إطار تاريخي، يقدم فيها القليل من المعلومات، ومن دون شك فهي مخيبة بالنسبة للمؤرخ المحترف. ابتداء من الفصل الثالث يكتسب الكتاب حيوية وأهمية حقيقية عندما يحكي أولا عن حكم أكبر ملك من عائلة الزيري باديس المظفر، وهو جد المؤلف وسلفه القريب والمباشر في وراثة العرش.

ومن دون شك، فإن عبد الله سمع منه مباشرة عدة ذكريات عائلية وأحداث وقعت في فترة حكمه، وخاصة في الصفحات التي يصف فيها فترة حكمه، ويبدو من خلال صفحات الكتاب أن الجد باديس مثل أم عبد الله كان لهما دورا أساسيا في حياته وطرفا مهما حيث أنهما يشكلان مصدر هذه المذكرات. إن شخصية أم عبد الله تبدو جلية ظاهرة في الفصول التي يشير فيها إلى ظروف خلعه من طرف المرابطين ونفيه الذي كان نتيجة لذلك، وتجدر الإشارة هنا إلى ملك غرناطي آخر وهو أبو عبد الله الذي نفى أم عبد الله التي لم تظهر ضعفا ولم تبخل عليه باللوم والعتاب.

من الفصل الرابع إلى الفصل العاشر يصف أيضا ظروف حكمه محاولا الدفاع عن نفسه بأنه غير حازم ومتردد ومقصر ولم يكن مؤهلا للحكم، ويبرر أفعاله وإهماله لبعض الأمور. وهناك حوادث هامة يسكت عنها، ويبرز أخرى، محاولا إعطاء شخصيته والدور الذي كان له في هذه المأساة أهمية لم تكن لديه، وهذا يبدو واضحا وظاهرا حتى في المذكرات. إن شخصية "الفونسو السادس" ويوسف بن تاشفين تسيطران على السرد كله، كشخصيتين كانا لهما دور بارز في هذه الحقبة، بينما نجد أن المعتمد بن عباد هو الشخصية البارزة بين ملوك دول الطوائف. إننا نجد أن عبد الله الزيري مثل باقي ملوك دول الطوائف كان عبارة عن مرافق محض للأحداث التي تجاوزته، وهي أحداث لم يعطيها دائما الاهتمام والعناية التي تستحقها : مثل معركة الزلاقة الشهيرة، التي يخصها فقط ببعض السطور، كما أنه لا يعتني بضبط التواريخ وتحديد الأمكنة التي وقعت فيها الحوادث، إنه لا يقوم بدور المؤرخ، غير أنه يبدو جد معبر عندما يصف الحياة بغرناطة، وفسيفساء من اليهود والمستعربين والبربر والعرب الذين عاشوا بهذه المدينة، والشك والريبة المتبادلة بين المرابطين والأندلسيين والنزاعات بين دول الطوائف، كل ذلك شخصه وصوره من خلال الأحداث بالمدينة، التي كان أن يسيطر عليها العنصر اليهودي بواسطة وزراء بنو نغرلة، والعربي الأندلسي ابن عمار شاعر ووزير عمل مع المعتمد بن عباد بأشبيلية، القشتالي "ألبارو فانييت" والكونت المستعرب "سيسناندو دابيديس" والمرابطي غرور. لا نعثر على أي كتاب في التاريخ يؤرخ لهذه الحقبة (مثل الرسالة الحديثة التي تقدم بها في هذا الموضوع" أ. هاندلير THE ZIRIDSOF GRANADA، جامعة ميامي بولاية فلوريدا سنة 1974) يمكن أن يحقق إطارا ندرك ونفهم الحسرة والشدة التي تعبر عنها هذه الصفحات والعمل المقلق الذي نتج عن الطلبات المتنامية لألفونسو السادس وما أحدثته في دول الطوائف، والوعي المطلق بأن الغاية (هناك فقرة من مذكرات عبد الله الزيري جد معبرة في هذا الشأن) من وراء مضايقات دفع الجزية ليست غير أضعافهم والسيطرة بسهولة على دول الطوائف مثل ما وقع لـ "طليطلة"، ويقدم المؤلف وصفا مؤثرا لإحدى مقابلاته مع "الفونسو السادس" : العجرفة والاحتقار المطلق الذي يظهر الإهانة والعجز، وأخيرا الخوف الذي يحدثه لدى ملوك الطوائف والمكر والحيلة، ومحاولته جعل من أعدائه سياجا ضد الآخرين.

ومن جهة أخرى نلمس كذلك الفاجعة في الصفحات التي يتحدث فيها عن ظروف خلعه، ولأنه كان موجود بالمغرب ولم يرد إثارة غضب الحكام المرابطين، وفي هذه الصفحات المأساوية يتحدث عن الفظاعة وخشونة قساوة المرابطين في معاملته ومعاملة أفراد عائلته. إن عبد الله الزيري لا يستطيع إخفاء نيته السيئة وابتهاجه في الفصل الحادي عشر، الذي يتحدث فيه عن الحظ الذي لقي نظرائه ملوك دول الطوائف بألميرية وأشبيلية وبطليموس على يد المرابطين الذين لا يرحمون.إنه القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري) بضمير المتكلم.

مقدمة الكتاب كتبها "إميليو غرسيا غوميث" يتعرض من خلالها إلى مضمون هذه المذكرات، يضعها في سياقها التاريخي، بالإضافة إلى ملخص عن تاريخ الزيريين وعن فترة حكم عبد الله (...) كما يتضمن الكتاب تلخيصا لآراء وتقييمات "رامون مينينديث بيدال" التي كانت قد نشرت بمجلة الأندلس (1936). كما يتضمن النص تعليقات وتفسيرات كثيرة وبيبليوغرافيا تحيلنا على أهم المصادر المعاصرة. وتضم خاتمة الكتاب ملاحق تحليلية تسهل استعمال النص. ومن جهة أخرى فإن الكتاب صدر في طبعة جيدة متقنة. (...) مقدمة الكتاب مقتضبة ومضبوطة، وجهازه النقدي لا يتجاوز الحد. إن "غرثيا غوميث" يحدد إطار النص الذي ينطق وحده، ويسخر استغلاله عمدا للاختصاصيين فهؤلاء وجمهور القراء على العموم بوسعهم الآن الترحيب بظهور هذا الكتاب الذي طال انتظاره.

________________________________________________

عن المجلة الإسبانية "اوكسيدينطي" عدد Occidente n°3

lunes, agosto 17, 2009

أساور وأعلاق.. عبد اللطيف شهبون

أساور وأعلاق..

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
«الخلافات التافهة هي التي توجهنا في الحياة.. وتأثيرها علينا أعظم من كل تأثير!»
التهامي الوزاني
لا تنصرف كتابات التهامي الوزاني إلى مادة دون غيرها.. وهي تؤول إلى نسق صاف.. جوَّابٍ لآفاق.. حاشدٍ لمشاهدَ ومشاهدات ومقروءات.. في طلاوة مُسْتعْذَبةٍ وفكْر طريف.. وذكاء في العرض والتحليل والتأويل.. بلغة غير متوسعة في المجازات، ولا موغلة في الاستعارات.. وفي تزاوج بين شعْريّة الكلام وبين مُتطلَّبات الحجاج والإقناع.. وغير ذلك من السمات الأسلوبية لكبار الكتاب والمفكرين.
كان التهامي الوزاني صاحب ريادات.. وفي ذاته تأتلف ذواتُ المثقف الفاعل في ديناميات السياسة، خاصة سياسة حزب الإصلاح.. والحقوقي المسهم في تأسيس أول إطار حقوقي عرفه المغرب الحديث بتطوان (21 ديسمبر 1933).. والمتصوف الناشء في حضن الطريقة الدرقاوية.. والمربي المشارك في تأسيس المدرسة الأهلية.. والمؤرخ الواضع لتآليف حول تاريخ المغرب ومنطقته الشمالية.. والصحافي المنشء لمنبر «الريف»، والمحرر لمقالات في هذه الجريدة وفي «الحرية».. والمترجم لمتن أدبي عالمي هو «ضون كيخوطي».. وكاتب السيرة والرواية الفلسفية والرحلة والخرافة.. والمفسر لآي القرآن الكريم تفسيرا أسماه «الرفرف».. ورجل الدين المتفتح المتسامح المعقْلِن..
هو ذا الوزاني الذي بنى مجده الثقافي والفكري بعصامية مشهود بها.. وبنزعة إنسانية صوفية كانت ومازات موضوع إبهار.. وأما تراثه فتركة نفيسة تحتاج إلى لَمٍّ ثم مقاربة في سياقاتها.. بأُطُر نظرية واضحة واحتكام إلى أخلاقيات البحث بكل ماتقتضيه من حرية وأمانة وإنصاف وتحرٍّ كاشف لحقيقة رجل ذي وزن كبير في تاريخ وجغرافية الثقافة المغربية الحديثة..
قرأت مصورة مخطوط وضع له التهامي الوزاني بنية عنوانية رمزية هي «الأعلاق والأساور».. انتهى منه في ثالث عشر صفر 1372 الموافق لثاني نوفمبر 1952.. وقد عقد فيه نية وقصدا للتنويه بآل البيت.. أقام الوزاني معماره الفكري الفلسفي، في هذا التأليف على أساسين، عام وخاص.
فأما العام فمدخل تناول فيه بالبيان والتبيين تفصيل الحكمة الإلاهية في مخلوقاته وموجوداته المستندة إلى إحكام وإتقان ربَّانيين «.. ماترى في خلق الرحمان من تفاوت».. اجتهد في هذا المكون لاستحضار كل العناصر الناظمة لرؤية نسقية للكون بدءا من الماء «وجعلنا من الماء كل شيء حي» فالتراب فالطبيعة فالحيوان فالإنسان.. دفاعا عن فكرة الوحدة والتجانس والمساواة يقول الوزاني: «... والإنسان نوع واحد ذو أصناف متعددة، وقد قضى على وجه الأرض عصورا متطاولة، وكثرت بينه عادة الهجرة، حتى ليصح القول بأنه لا يوجد منه صنف لم يختلط بغيره من الأصناف..»، ثم يقول في موقع آخر «وكم أحدثت سياسة التفرقة العنصرية من أحداث خطيرة، ولو أن الناس أدركوا من قول الله سبحانه «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم» لاستراحوا من داء الأنانية الجامحة التي كان المصدر الأول للأحقاد والشحناء..»
وبرُؤْية شَمَّالةٍ ومنطق قوي يدحض الوزاني مزاعم السلاليين القائلة بأن «النوع الواحد يشتمل على أصناف جيدة وأخرى رديئة، دجاج يبيض بيضا صغيرا إلى جانب دجاج يبيض بيضا كبيرا.. وحُمُر سريعة وأخرى بطيئة.. وكذلك الشأن في الناس يوجد بينهم أصناف يصح الحكم عليها في جملتها من أنها تحمل خصائص الرفعة أو الانحطاط.. وهناك أصناف رديئة في النباتات والثمار والمعادن، ولا ينبغي أن يشذ الإنسان عن هذه القاعدة..!».
وفي معرض نقد هذه الفكرة المتطرفة/ العنصرية يقرر الوزاني اعتمادا على خلاصات علماء البحث عن خصائص الإنسان أن ما يظهر من تفاوت بشري إنما مرجعه إلى «عوامل خارجية لا مساس لها بذاتية النوع سواء في جنسه أو فعله.. وإن الحواجز القائمة بين الأصناف البشرية في الوقت الحاضر يُتغلب عليها بالتربية الصالحة والتعليم الصحيح والتوجيه «الرشيد»..»
وأما الخاص فبسط تاريخي للتعلق بآل البيت المتخلقين بأخلاق رسول الله من صفح وحلم وكرم وعفة وطيبة قلب وطهارة نفس وعلو همة وإقبال على الآخرة وإعراض عن زهرة الدنيا.. وغير ذلك من الخصال الباطنة التي تنعكس على بشرتهم الظاهرة فيترقرق نور النبوة، وينشط الدم النقي الجاري في عروقهم!!
الأساس في حديث الوزاني عن آل البيت هو تبيان فكرة هدم الإسلام للحدود بين الطبقات وجعل البشر قسمين، أهل رضى الله، وأهل سخطه، خلافا لمنطق الناس الذين أقاموا أرستقراطية: المال والجاه والعلم والحسب والنسب

miércoles, agosto 05, 2009

مقامات شفشاونية.. عبد اللطيف شهبون

مقامات شفشاونية..

عبد اللطيف شهبون

عبد اللطيف شهبون
عبد اللطيف شهبون
«إلى العزيز محمد حقون»
1 ـ بدعوة من جمعية أصدقاء المعتمد توجهت إلى شفشاون صباح الأحد 19 يوليوز الجاري للمشاركة في المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث في دورته الرابعة والعشرين في محور: «القصيدة المغربية: صعوبات ممكنة..»
2 ـ كلما وطئت قدماي أرض شفشاون أزور قبر شقيقي محمد. اندرست معالم القبر الآن رغم وجوده في مدخل مقبرة مولاي علي بن راشد جنب صفصافتين!. توفي شقيقي محمد قبل ميلادي بما يزيد عن اثنتي عشرة سنة. صورته الوحيدة التي احتفظت بها والدتي تثبت شبها تاما بينه وبين شقيقتي آسية. خلّف رحيله المبكر بعد حفظه كتاب الله حزنا خرافيا لدى والدتي ووالدي الذي كتب في مذكراته عن فاجعة فقده.
3 ـ من مقبرة مولاي علي بن راشد أسلك طريقا واحدا ينتهي بدورة شبه كاملة على المدينة، منطلقها باب السوق.. تستحضر ذاكرتي وجوها أغلبها رحل إلى دار البقاء.. ابن ميمون، اغبالو ـ الدنكير ـ البردعي ـ ابن دكون.
أتوقف بدكان حلاقة الطيب بوذياب (وباسم طيب.. طاب المسمى..)، قبل أن أنزل على أدراج زقاق في عمقه منزل ابتناه والدي في بداية أربعينيات القرن الماضي.. ثم أحث الخطو نحو درب المريني كي أزور جدتي خدوج الذهبي، امرأة في عداد الوليّات.. وفي لحظات أزور خاليَّ الحسن وعبد الكريم المريني.. ثم أقصد عم والدي عبد القادر شهبون (كان رحمه الله جميل الخلقة، عظيم الوقار، حريصا على التعلق بجناب الله حتى اشتهر عند أهالي شفشاون بـ«السيد شهبون».. أنزل إلى «وْطَا حَمّامْ»، أسلم على عمي أحمد (كان يدير متجر جدي الحسن شهبون بتكليف من والدي..).. أتابع النزول إلى «باب العين» لأتوقف بعض الوقت بمنزل خالتي فاطمة المريني.. كان ذلك ديدني وعمري لا يتجاوز عقده الأول.
4 ـ في فضاء القصبة الأثرية قرأت بعضا مما كتبته من أشعاري، فأحسست أنّي بين يديْ حلم.
5 ـ فجر اليوم الموالي توهمت أني سامع خطابا يقول لي: ها أنا أهديك ترابك ونوستالجيتك وصمتك.. ورائحتك.. وكل ماتعشقه ريحك.. فابحث عني في مغارتي المهيبة..!
استفقت مروعا.. فكتبت: «جسد الروح..»
جئتها نُسْغَ هويّهْ
حاملاً شِعّري مرايا
لأغني معها جسد الروح سويّهْ
عندما حل المساءْ
اِنْطفَا نجم البهاءْ
والتَّعِلَّاتُ التي أغلقت بابها دوني
قضيَّهْ!
هاأنا أجتر وحدي
غُصَصَ الليل بنفس شجيهْ

* * * صاح ديكْ:
هل وصلنا لحياة الموتِ
أم موت الحياهْ؟

* * * لست ماءاً سائحا بين الصخورْ..
لَستِ غصنا أحمرَ
يهتز لريحْ..
لستِ صوتا عاليا،
يخرق الجرم السماوي..
أنت روحي
بل جناحُ الطير
مااسْطاعَ النزولْ
أنت ذكراي التي
نامت بصَخْرٍ..
آه.. لو أَنيَ صخرٌ!
أنتِ ظلي
في ورود قد حواها شجرُ الدِّفْلَى
فصارت عُشَّ سِرّي
في خلود الصمت يفنى..!
ثم يفنيني معه
6 ـ على مائدة الإفطار بالفندق قال لي الصديق محمد المسعودي: كتبت الليلة نصا عنونته بـ«هواء الروح» قلت له: وقع الحافر على الحافر إِذنْ،وهذا انشغال باشتعال، فكيف حصل!
7 ـ اقترح علينا الصديق الشاعر عبد السلام مصباح القيام بجولة إلى رأس الماء.. أتممنا الجولة ولما وقفنا بحومة السوق دخلنا درب ابن ادريس لنزور الفنان التشكيلي محمد حقون دون إخباره بذلك!.. هذا أول لقاء لي برجل بدا لي حسن الصورة واللقاء.. بادي الحشمة، دخلنا منزل السي محمد حقون ذي الطوابق الثلاث، كل طابق منها مزدانة أركانه بإتحافات وذخائر ووثائق وصور وتسجيلات مرئية وصوتية وكتب وآلات فوتوغرافية، وألواح قرآنية ولوحات تشكيلية.. والمدهش أن كل محتويات البيت هي من صنع صاحبه!.. لم يخل حديث السّي محمد حقون من فوائد همت سيرته الذاتية.. وأخبارا عن أستاذه اللامع عبد السلام خَرْخُور، وإفادات طرائفَ ومستملحاتٍ.
لا أجد عبارات أشكر بها صديقي عبد السلام مصباح على مفاجأته الجميلة الخالدة بالتعرف على إنسان ما إن تره عينك
حتى يحبه قلبك..