miércoles, agosto 31, 2011

ثانوية القاضي عياض عبد اللطيف شهبون

ثانوية القاضي عياض

عبد اللطيف شهبون

في نهاية السنة الدراسية 1960 ـ 1961 أنهيت دراستي بمدرسة مولاي إسماعيل بتطوان، واجتزت امتحانيْ الشهادة الابتدائية بمدرسة مولاي الحسن، والالتحاق بالثانوي بثانوية القاضي عياض بتطوان.
في فاتح أكتوبر 1961، أصبحت تمليذا منتظماً بها..
كانت الثانوية فضاء هندسيا بديعا.. ومجمعا تربويا وتعليميا وظيفيا ومتكاملا (حديقة غناء.. قاعات فسيحة.. مكتبة عامرة.. مختبر مجهز.. مسبح مشغَْل.. ملاعب رياضية واسعة.. قاعة فريدة للعروض.. لوحات زيتية نادرة، وتجهيزات رفيعة..).
كنا ندرك بحواسنا مباهج ثانوية القاضي عياض مسترفدين من دروس أساتذة كبار تخرجوا من مؤسسات علمية وجامعات مغربية ومصرية وسورية وعراقية وجزائرية وإسبانية..
كانت شروطنا التربوية والتعليمية نموذجية هيأت للمغرب أطرا عليا في مختلف المجالات..
عُدتُ إلى ثانوية القاضي عياض في الأسبوع المنصرم، بعد تخرجي منها في يونيه 1967.. عدت إلى هذا النبع، وأنا أدركه بطريقة مُخالفة لإدراكي الأول، وأنا في سن الحادية عشرة..
أدرك هذا الفضاء الآن من خلال كينونتي الذاتية، وما يفيض منها من رغبة شديدة في الاستمداد العاطفي.. مازال فضاء القاضي عياض محتفظا بسمات وأرواح أهله الراحلين من إداريين وأساتذة وتلاميذ..
مازلت أحِسُّ بقرب من أحببت.. ورعاية من هداني قلبي إليه.. مازلت أتذوق أسرار معان، وألابس مظاهر مبان..
عاينت في الأسبوع المنصرم حقيقة ثانوية القاضي عياض، فانبسط فضاؤها أمامي، حتى ساعدني على استحضار ماهيات وقيم ونماذج إنسانية من صندوق ذاكرتي.
استغرقني حال من الحزن وأنا أمام منظومة التلاشي التي تم تصريفها في هذه المعلمة.. التي حاضر بها سلامة موسى في بداية خمسينيات القرن الماضي، وأنشد فيها نزار قباني قصائده في منتصف الستينيات.
القاضي عياض معلمة سامقة بدأت نواة تأسيسها بعد صدور ظهير خليفي سنة 1940. تولى إدارتها خلال ثلاث سنوات (1941 ـ 1942 ـ 1942 ـ 1943 ـ 1943 ـ 1944 ) في مقر مؤقت هو المدرسة الأولية للشغل Escuela Elemental De Trabajo. بجوار دار الصنائع بباب العقلة الفقيه الرهوني، وعندما تقرر نقلها إلى مبناها الحالي، ـ وهو وقتئذ ضمن مشمولات نيابة التربية والثقافة سنة 1944 ـ 1945 ـ تولى إدارتها الفقيه المؤرخ محمد داود،لتسند هذه المهمة ابتداء من السنة 1945 ـ 1956 إلى الأستاذ محمد عزيمان.. وفي استهلال السنة الدراسة 1952، آلت المهمة إلى الأستاذ محمد مشبال..
إن أهم ما تحتفظ به ثانوية القاضي عياض بتطوان، هو أرشيف هيأة الإدارة والتدريس وأجيال التلاميذ..وكم سعدت عندما اطلعت على ملفي الذي كتب في إحدى صفحاته.. «تلميذ يميل إلى الكسل رغم ذكائه».
استغرقني أَيْنِي وبَيْنِي في هذه الزيارة التي اغتنيت بها.. هي ذي ثانوية القاضي عياض، شجرة يقين أثمرت شفوفا ومنحت كشوفا لأجيال.. هي شجرة يقين مازالت حروفها فائضة بالمعرفة والعرفان..