lunes, agosto 04, 2008

عبد اللطيف شهبون.. مانح الشذى

مانح الشذى
لم تخل جلسة من جلساتنا الإخوانية في منزل فقيدنا العزيز المرحوم الحاج محمد العربي الخنوس بطنجة من إمتاع و
مؤانسة.. حتى كادت كل جلسة تنفرد بموضوع ثقافي أو سياسي أو اجتماعي أو شعري..
منذ سبع عشرة سنة- و نحن جلوس بمنزل فقيدنا الحاج العربي- طرح صديقنا الأستاذ إدريس الجبر وني ملاحظات نقدية حول خصوصيات شعر أمريكا اللاتينية متوقفا عند تجربة خوصي مارتي (1853-1859), الذي تعرفنا إليه من خلال ما كنا نقرأه في العقد السابع من القرن الماضي من مجلات و جرائد كوبية .. و من كتب خاصة أعماله الكاملة التي كانت توزعها سفارة كوبا دعما لثقافة اليسار.
أنهينا سمرنا الثقافي في منزل المرحوم الحاج العربي, و في اليوم الموالي استثمرت ما دار بيننا من نقاش, فكتبت وقتئذ مقالة أعيد نشرها الآن استذكارا للحاج العربي الخنوس الإنسان الطيب النبيل الكريم..
الذي فتح لنا بيته و قلبه.. و كانت له علينا أفضال..
في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر ارتفع صوت الفن و السياسة في أمريكا الاتينية.. صوت خوسي مارتي..؛ شاعر, ثائر, ثوري في الفن و السياسة.. و صاحب رؤية مستقبلية للعالم مكنته من جس نبض فضاءات شعرية غير مستكشفة, و ارتياد آفاق بعيدة لتجربة جماعية منقلبة نحو الداخل ..و معبر عنها بمثل هذه الشهادة الفنية الذاتية:
أنا آت من كل الجهات..
ذاهب نحو كل الجهات..
أنا فن بين الفنون..
و بين الجبال أنا جبل..
هذا الشاعر/ الساحر التقط كنه الأزمة الاجتماعية في زمنه ببعد نظر و حدس مصيب.. فكانت تأملاته مدهشة مصاغة في تراكيب متضادة و غريبة.. تتعايش فيها تفكيكات إبستيمولوجية, و اختراقات لسانية, و تجسيدات نفسية ملامحها الألم و العزلة, و التأمل و الاستنباط الذاتيان المبدعان المتحرران إيديولوجيا و المؤمنان بإنسانية مثالية رومانسية.. في ثوب لغوي يحتفظ بأهم عناصر التقاليد الأدبية للغة الإسبانية: معجما و تركيبا و إقاعا..
و إن الدراسة المقارنة لأشعار خوسي مارتي بأشعار معاصريه من أمثال:ما نويل غوتييريس تأخيرا, و خوسي أسونثيو سيلفا, و خوليان دلسكال, و روبين داريو لتؤكد و تكشف أنه يقف بمفرده شاهدا ثائرا..
في تراث هذا الشاعر و في حياته نلمس ذلك الربط الجدلي بين الحياة و الفن, لدرجة يصعب معها رسم حدود فاصلة بينهما.. رجل الفعل و العمل.. و بين الفنان.. ثم إن لهذا الارتباط الوثيق صدى في أفكاره و تنظيرا ته.. فقد كان يقول:
- عندما لا تصلح اللغة لأن تكون لباسا للشعور النبيل و الفكرة الخالدة فهي مجرد دخان..
- إن القصيدة الشعرية يجب أن يكون لها جذر في الأرض و أساس فعل واقعي ملموس..
- ليس الشاعر من يجعل النملة تمشي, بل هو ذاك الذي يمنح الشذى, و يرسل الأنوار, و ينادي إلى النصر و إلى الإيمان بالكونية.