sábado, abril 17, 2010

يوم أن كرهت الأرجوحة.. من سيرتي الذاتية سما حسن

يوم أن كرهت الأرجوحة.. من سيرتي الذاتية


سما حسن


كان جارنا الفقير كثير العيال يقيم أرجوحة خشبية أمام بيته الصغير، كانت الأرجوحة من الخشب، ولها حبال قوية وغليظة ومتينة من اللوف الخشن الذي يؤذي اليدين، ولكنني كنت مولعة بركوب الأرجوحة، وكنت أنفق كل ما أحصل عليه من مال من أمي وأبي من أجل ركوب الأرجوحة، حتى أصبحت " الزبونة" المستديمة لدى صاحب الأرجوحة الذي عهد بمسؤولية " حساباتها وإدارتها " لابنه الصغير والذي كان يكبرني بأعوام قليلة.


لم ألتفت في خضم لهفتي على ركوب الأرجوحة إلى تبدل القائمين على الخدمة، ولكنني كنت أتوق فقط إلى وضع قدمي على القاعدة الخشبية لها، وأن أحرك قدمي الصغيرين جيئة وذهابا في ثبات وسرعة من أجل أن تتحرك، وأبحث بعيني عن صاحب الأرجوحة لأستحثه كي يدفعني دفعة قوية أطير بها نحو أحلامي..


نعم كانت الأرجوحة بالنسبة لي هي سفينة الزمن التي تأخذني عن كل ما حولي، حين تحلق بي عاليا وأعانق بصفحة وجهي البيضاء لون السماء الأزرق، كنت أشعر بالسماء تربت على وجنتيّ، وكنت أسمع أصواتا تناديني وتستحثني وتكلمني، وكنت أرى ما لا يراه البشر، خاصة حين تتوسط الشمس كبد السماء، فتلك كانت هي اللحظة التي أحلم بها حين أرى الشمس كبيرة متوهجة، وحولها السماء وتحتها مباشرة يطير رأسي الصغير في رحلة لا تستغرق سوى ثانية من الوقت، ولكنني كنت أتمنى لو تطول الرحلة، وكنت أتمنى لو مددت يدي وتعلقت بالشمس التي ستأخذني لعالم جديد، وكنت أحلم وأحلم حتى تحولت علاقتي بالشمس والسماء لموعد غرامي كل يوم، في عز الظهيرة حين يخلو شارعنا في صيف غزة القائظ، وحين تعد أمي وجبة الغداء، ويتحلق حولها إخوتي انسل من بينهم كقطة تبحث عن مكان لقضاء حاجتها، وأتسلل إلى الأرجوحة، فأدس في كف صاحبها القطعة المعدنية الصغيرة، وأطير نحو عالمي…..


أصبحت أفقد وجبة غدائي كل يوم من أجل موعدي مع الشمس والسماء، وأعود إلى البيت وقد تناولت عائلتي الوجبة الرئيسية، وتركوني دون طعام عقابا لي، ولكنني كنت انزوي في غرفتي الهث من فرط الانفعال واستعيد في وحدتي كل ما رأيته في السماء في رحلتي القصيرة………


ولم أنتبه إلى تبدل المسؤول عن الأرجوحة، وأنا أعود كل يوم في نفس الوقت، ووجنتاي تتضرجان بالحمرة القانية، وشعري يتناثر حول وجهي المستدير، وتتلوث ساقاي بالرمال الجافة، ولكنني كنت أفكر فقط بأحلامي وخيالاتي وموعدي الغرامي


كانت أمي تلبسني فساتين قصيرة ترتفع عن ركبتي بمسافة كبيرة، لدرجة أنني حين انحني يظهر فخذاي البضان المكتنزان بوضوح، ولكن هذه كانت الموضة الدارجة في أواخر السبعينات، ولم أنتبه إلى أن المسؤول عن الأرجوحة كان يدعو أصدقاءه كل يوم ممن هم في سنه وأكبر وأصغر، ليتحلقون حول الأرجوحة، وينظرون لأعلى وتحديدا وتركيزا للفستان حين أطير، وتتوجه كل العيون المحملقة الجائعة إلى ما تحت فستاني الصغير,,,,,,


كنت أرى اللهفة والاستعداد حين اقبل من بعيد، وأن الفتى المسؤول عن الأرجوحة أصبح يطيل لي المدة المقررة،والتي كانت تنتهي سريعا مقابل قروشي القليلة، ولكنني لم أفكر بالسبب، وربما فكرت للحظة وعزوت ذلك لقلة المرتادين في ذلك الوقت، خاصة أن كل جيراننا من الطبقة الفقيرة، وكنا نحن العائلة الثرية في المنطقة……..


مرت الأيام كثيرة في العطلة الصيفية وأنا أزور أرجوحتي، وأطير مع أحلامي، أتنازل عن وجبة الغداء، ويقرصني الجوع، وفي كل مرة أطير أجد عالما جديدا يرسمه خيالي، حتى كان اليوم الذي سمعت كلمة نابية وأنا أطير…….


سمعت من يصف فخذيّ المكتنزين في وصف قبيح بذيء، وفي تلذذ لا يخلو من نهم……


صحت وأنا أحلق عاليا بالمسؤول عن الأرجوحة أن يوقفها..الدموع اندفعت من كل مكان في وجهي……..


احتقن وجهي أكثر وأكثر بحمرة الغضب والخجل، وكل المسميات التي يمكن أن تطلق على موقفي عدا السعادة التي كنت أشعرها وأنا أحلق…….


وجدت الجمع الغفير من أبناء الحي المتحلق والمفتوح العيون أسفل قدمي حين نزلت عن الأرجوحة….


شعرت كم أنا غبية..وكم كنت عرضا مثيرا ومغريا وأنا منطلقة ببراءة نحو أحلامي وسعادتي الوهمية……..


أطلقت سبابا خافتا مخنوقا بالدموع وهرعت للبيت وبكيت كما لم ابك ومن يومها لم أعد للأرجوحة ولم أرد على سؤال أمي: لماذا أصبحت أول من يجلس لمائدة الغداء؟


تعلمت الكثير من هذا الدرس.


أول ما تعلمته انه من السهل أن تحلم، ولكن من الصعب أن يدعك من حولك تواصل الحلم……..



الكثير من الضحك القليل من الكهرباء


من يوميات امرأة محاصرة في غزة



سما حسن


بالأمس كان يوما عاديا ينقطع فيه التيار الكهربي لفترة طويلة، وأعود في المساء مرهقة إلى البيت ، محملة بأكياس سوداء بلاستيكية بها الكثير من المنظفات للبيت، وذلك خوفا من شحها بعد أن بدأت مصر في بناء الجدار الفولاذي، ومعنى ذلك أن تنقطع البضائع عن الوصول لغزة عبر الأنفاق الممتدة كأفاع تحت الأرض بين غزة ومصر…..


مرهقة أضع الكثير من أصناف الطعام أمام الصغار على المائدة وأقضم تفاحة كبيرة وأهرع لسريري لأرتاح وأعلن أمامهم: اللي بيحب ماما بيشغل صامت الصوت……….


وأقصد بكاتم الصوت أن يصمت الأطفال تماما من أجل أن أنام، هكذا دائما أقول لهم" تخيلوا أنفسكم عبارة عن أجهزة ريموت كونترول خاصة بالتلفاز…..


تخيلوا ان يكون لدي أربعة أجهزة ريموت كونترول


والصغار يفعلون ويتخيلون ولذا حين أنشد الهوء أصرخ بهم: كلو يشغل كاتم الصوت……..


وهكذا قاضمة على التفاحة الحمراء وكأني أقضم الحياة الجميلة التي احلم بها ، أهرع لسريري لأرتاح وأترك الصغار على المائدة يستمتعون بالطعام الذي جلبته لهم بآخر ورقة نقدية أملكها ……. فالأمس كان اليوم الأخير من الشهر……


وحين أصبحت في السرير وتكورت وأنا ممسكة بتفاحتي الشهية تناهي لمسمعي صوت الصغار……


أنصت كملك ينصت إلى حاشيته كما كان يفعل الملوك في الأيام الغابرة، وحين لم يكونوا يهوون الكراسي ولا يعرفون كيف يتركونها، كان صغاري يتحدثون بحديث أثلج صدري……


ابني الأكبر كان يقول: بكرة بس أكبر ويصير لي بيت راح أخد ماما تعيش عندي


صاح الصغير: لا ماما راح تعيش في بيتي……..


صاحت ابنتي الكبرى: لا ماما لا يمكن تعيش عند " كنتها" ماما راح تعيش في بيتي


زمجر الكبير قائلا: لا ماما راح تعيش في بيتي أنا ابنها الكبير هيك العادات عنا في غزة………


صاح الصغير: لا ماما حبيبتي وراح تعيش عندي ، هي بتحبني وما بتستغني عني……..


رد الكبير وردت الصغيرة: لا أنت مزعج وكثير الحركة وماما تحب لا هدوء


زمجر الصغير وضغط على أسنانه حتى شعرت بها سوف تتكسر عن بعد: لا أنا راح اشتري لها قطتين


واحدة راح اسميها " أس أس" على اسم القطة اللي ماتت


والتانية بس بس …….عشان تتسلى ماما فيهم لما تصير عجوزة


رد ابني الكبير: لا أنا راح اعمل لماما أشي أحسن من القطط


التفت له جميع الأبناء واستحثوه أن يتكلم فصاح ويهو يضرب صدره بقبضتيه: أنا راح أجوزها………


آه راح أجيب عريس لماما تتسلى هي وهو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


ضحكت


وشرقت بالتفاحة


ونهضت من السرير واحتضنتهم جميعا


على إحساسهم وعلى حبهم


ولم انس أن أسأل ابني الكبير: يا ماما على ما تكبر راح كون أنا في الخمسين من عمري


يا ترى كم حيكون عمر العريس؟