sábado, mayo 16, 2009

ملتقى الشعر الإيبيرومغربي/7/8/9 / 2009 ماى










ملتقى الشعر الإيبيرومغربي



أصيلة ـ 'القدس العربي' هو العبور إلى أصيلة يولد الحلم، هناك في مكان اسمه مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية اجتمع شعراء الضفتين الإيبيرية والمغربية فيما يشبه تواطؤا سافرا من أجل الاحتفاء بالقصيدة وتكسير حدودها، هناك مرت ثلاثة أيام تلاقحت فيها الأصوات وأعلنت تمردها على الكائن ورحلت إلى أقاصي بعيدة مدشنة حلما مشتركا وهو تكسير الحدود وتوحيد الرؤى بواسطة كلمة اسمها الشعر، وحده الشعر جعل البرتغاليين والمغاربة والإسبان يعيشون حلم القصيدة في صباحات 7-8-9- أيار (مايو) ومساءاته، استمعنا واستمتعنا جميعا، رحلنا حيث لا ندري، كانت الأصوات تمنح دفأها للعابرين والباحثين عن حلم واسع، كان لا بد من هذا التواطؤ السافر حتى تتحقق القصيدة.هكذا جاءت دعوة جمعية ملتقى الشعر الإيبيرومغربي لتفتح حقولا جديدة منسية، مراهنة على الحاضر والمستقبل كما جاء على لسان رئيسها الشاعر والمترجم مزوار الإدريسي باعتبار المتلقى هو فرصة للبحث عن الكلمة الشعرية الجديدة والمراهنة على الحاضر والمستقبل ونوه بمجهودات الداعمين لإنجاح هذا اللقاء، ثم أعطى الكلمة لمحمد بنعيسى أمين عام منتدى أصيلة الذي أكد على رمزية اللقاء بين شعراء من دول ثلاث كعربون على ضرورة المضي في نسج ثقافة تشاركية قوامها تلاقح الشعوب عبر وسيط اسمه الشعر، وتطلع إلى ضرورة توسيع هذا اللقاء ليشمل الشعراء العرب وشعراء أمريكا اللاتينية وكل الحساسيات التي ما فتئت تضرب بعيدا في المتخيل الإنساني مسترفدة منه مادتها، فالإبداع وحده يمكنه أن يلغي الحدود. ونوهت كلمة وزارة الثقافة أحد الشركاء بهذه التجربة وأعلنت دعمها اللامشروط لهذه المبادرة واستعدادها الكلي لتطويرها وجعلها تقليدا سنويا، بينما ركز مدير معهد سيرفانطيس بطنجة على أواصر القرابة التاريخية القائمة بين المغرب وإسبانيا. أما كلمة رئيس كوديناف بالمغرب المترجم والباحث إدريس الجبروني فأكد على سعادته الكبرى بتحقق هذا اللقاء وأكد أن طموح كوديناف هو الحضور في المجال الثقافي موازاة مع الحضور في المجال الاجتماعي. مدير الجلسة الشاعر والمترجم خالد الريسوني ترجم بحرفية عالية كلمات المتدخلين. هنا توقف صوت الداعمين لولادة حلم شعري، وبدأ صوت آخر هو صوت الشعر. رئيس اللجنة الشاعر عبد اللطيف شهبون أشاد بأصيلة بوصفها فضاء ثقافيا مفتوحا، وعبر عن حبه الكبير لهذه المدينة الأطلسية التي ما فتئت تجذب عابريها إلى اكتشاف أسرارها. ثم أعطى الكلمة للشعراء، فأنشد هؤلاء على حد تعبيره قصائدهم: فرناندو بينطو دو أمرال، ماريا أندرسين، عبد الكريم الطبال، غسطاو كروث..ارتفع صوت الشعراء باللغات الثلاث، وعبر نفس اللغات ترجم الشعراء القصائد.وحده الشعر يلغي الحدود:في اليوم الموالي اجتمع الشعراء صباحا للبحث عن سبل لإلغاء الحدود، وهي الجلسة التي أدارها الشاعر والباحث مصطفى الورياغلي الذي أعطى الكلمة للشاعر المغربي محمد الأشعري حيث ذهب إلى أن الحدود لا تقف عند اللغة أو الأمكنة أو الأعراف، وإنما في التجارب والإغراء المتبادل، هي حدود المسافات التي تستدرجنا، حدود تكمن ماهيتها في الصورة، الصمت، الغواية، غير أن هذه الحدود هي نفسها متغيرة ومتحولة بتحول ظروف إنتاجها، مشيرا إلى دور الترجمة في إنشاء حدود شعرية جديدة، كما حدث للشاعر العربي حينما تفاعل مع قصائد لوركا وتمثل قيمها الجمالية شعريا، فحينما نبدع، نبدع ونحن نتمثل شعرية الآخر. أما كلمة الشاعرة الإسبانية كونتشا غرثيا فقد ذهبت في مداخلتها الى أن الكلمة بدون حدود، والذي يقف في الحدود لا يعيش، لهذا فالشاعر ينتقل من حدود إلى أخرى دونما الاحتكام إلى نظام جاهز، لهذا ما فتئت الشاعرة تستضيف شعراء من حساسيات مختلفة في حجرتها الشعرية ببرشلونة. أما الشاعر والمترجم البرتغالي غاسطاو كروث غارسيا، فرأى أن الشعرية هي بحث وتساؤل وافتراض، وهو التساؤل الذي قاد الشاعر إلى حقول شاسعة جعلته يعيش تحولات كثيرة، تحولات متمردة على النمطي والمقدس والمطلق، ملغية كل ما يمكن أن يجعل للشعر أفقا جاهزا يحد من رؤيته. وفي مداخلة الشاعر المغربي الكبير عبد الكريم الطبال فضل أن يكتب بلغة شفافة مبدعة، عبر بواسطتها أن الشعرية عابرة إلى القارات خارقة مجاهل الذات والآخر، مؤكدا أن الشاعر بؤرة شوق، مهنته أن يصنع من الكلمة قاربا وبواسطة هذا القارب يشق البحر إلى منتهاه، لأن الشعر لم يكن يوما مقيما وإنما ولد ولادة مسافرة، لهذا فالشعر مدين للذين يعبدون الوعر له فيمشي في خطى خفيفة ليعانقنا. وفي كلمة الشاعر الإسباني لويس مونيوث رأى أن خير مسكن للشاعر هو الحدود، حدود اللغة، والأساليب، والصور، والحياة... حدود ذاته نحو الآخر، وعبر هذه الحدود يعمق معرفته بذاته وبالآخرين، وتجربته الشعرية مدينة للذين قرأ لهم بواسطة الترجمة وبلغات مغايرة غير لغته الإسبانية، أما البرتغالي فرناندو بينطو أمرال فقد رأى أن حدود الشعرية موضوع شاسع، والشعر لا يريد أن يرفع هذه الحدود وإنما هدفه دوما أن يصل إلى الآخر. لهذا ستبقى الترجمة هي الوسيط الذي يمكن أن يصل بين التجارب الإنسانية. الشاعرة المغربية ثريا ماجدولين اختارت بدورها الارتفاع عن الواقع، وعبر مدارات الاستعارة ومدارج الانزياح جلست في قلب القصيدة ورفضت أن ينعت شعرها بالكتابة النسائية لأن الروح على حد تعبيرها ليس لها جنسية أو انتماء سوى الحرية، والكتابة عندها هي غلق للحفر الممتدة حولها، وفي نسيجها لا وجود للحدود، مؤكدة أن الشعر لا حدود ولا هوية له، لهذا سيظل مسافرا يعانق كل من بداخلة نزوة عبور.عبر الشعراء عن رؤى مغايرة فيما يخص الحدود، وتكاد تجتمع كلماتهم حول ضرورة هدم الحدود وبناء شعرية إنسانية موحدة تلغي الأعراف والتقاليد وتتجاوز كل ما يمكنه أن يعيق رؤيتنا... شعرية تنتصر لجوهر الإنسان في كينونته. في المساء تجرد الشعراء من تصوراتهم النظرية وسافروا إلى حيث يوجد الشعر، وعبر اللغات الثلاث، قرأت الشاعرة البرتغالية ماريا أندرسين قصيدة آتية من التراب، وقرأت ثريا مجدولين قصيدة ثقل الفراشة وظل الغائب، وقرأ جوردي فيراوينغا قصائد عبارة عن شذريات 'عن المجد، خمول، الموت، ساعة البؤس'، وقرأ الشاعر أحمد هاشم الريسوني قصيدته 'الطريق' التي أعلن فيها بيان الكتابة وترجم خروجه عن الحدود، وقرأ قصيدة تحت سقيفة طنجة التي احتفى فيها بالمكان في علاقة بالوجود والأنثى والموت، أما الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال فقرأ قصيدته بعنوان 'القصيدة الأخيرة'، وهي ليست الأخيرة بقدر ما هي بداية لنصوص مسافرة داخله تأبى أن تخرج إلا حينما يصل إلى نهاية البحر. أدار هذه الجلسة الشعرية الشاعر والباحث محمد المسعودي الذي نسق بين الشعراء والمترجمين، وقال اليوم يتحقق الشعر بلغاته الثلاث.القصيدة تولد مسافرة:حينما تولد القصيدة تتمرد، وحينما تتمرد، تلغي الحدود والحواجز. وفي اليوم الأخير من أشغال الملتقى عبر الشعراء عن تمردهم، وهذا ما قالته الشاعرة البرتغالية ماريا أندرسين 'جميع المسافات القائمة بين الحدود ينبغي أن تنهار'، آن الأوان أن نهدم كل ما يمكنه أن يعيق عبورنا الشعري، وما يمكنه أن يقوم بذلك هو الترجمة التي بإمكانها أن تعرفنا أنفسنا وتجعل تواصلنا مع الحساسيات الإنسانية شيئا ممكنا. أما الشاعر أحمد هاشم الريسوني فسلم بوجود حدود بين الشعوب، حدود جغرافية، نفسية، تاريخية... لكن القصيدة تخترق جغرافيتها لتلغي الحدود وتعانق الذوات العابرة، فكل لحظة شعرية تحاول أن تنتقل إلى لحظة موالية وأثناء الانتقال تخترق الحدود بين الذات وذوات أخرى، وبين حدود وحدود أخرى. هكذا تصبح شعرية الحدود تسير نحو الممكن رافضة الكائن. وفي مداخلة الشاعر الإسباني جوردي فيرايونغا رأى أن الشعر مشكلة لسانية، لأن الشاعر يكتب كلمات، وحينما يترجم يفقد صمته وإيقاعه، لهذا ينبغي التفكير في مترجمين شعراء وتكوينهم كي نتخطى هذه الاستعارة..الجلسة النقدية قام بإدارتها الباحث المغربي عز الدين الشنتوف. في مساء الشعر الختامي، جسد الشعراء من جديد تمردهم على المألوف، حيث قدم الشاعر والمترجم مزوار الإدريسي الشعراء، وعبر نصوص قصيرة عابرة، ترجمها الشعراء من لغاتها الأصلية إلى العربية والإسبانية والبرتغالية، قرأ فرناندو بينطو أمرال 'سر، عتمة، وردة، روح العصر'، وقرأت كونشا غارثيا 'حين يحل الليل، إحساس، قبالة المقهى، بيت بلا نافذة، حلم المطرِّزة'، وقرأ لويس مونيوث 'الثامنة صباحا، سنوات الستينات، منحوتة ماثلة، حقل الفلين، اللون الأبيض، عائلة، ترك القصيدة'، وقرأ محمد الأشعري 'مفردة حرة، حلول، نظرية بلاغية، يقظة مضطربة'. ليختم اللقاء بكلمة للشاعر والمترجم المغربي المهدي أخريف الذي عبر عن كبير الاعتزاز بالحضور البهي للشعراء، وشكر الداعمين وعلى رأسهم مؤسسة منتدى أصيلة، ومنح العضوية الفخرية للشعراء المشاركين في الملتقى، ودعا أعضاءها للتفكير في المشاريع المقبلة من أجل تطوير التجربة ودفعها إلى الأمام.وبهذه القراءات انتهت كلمة الشعراء، لكن القصيدة لم تنته، ظلت تنحت في متلقيها الدهشة والسؤال، وتسافر إلى حيث يوجد متسع للحلم والحب، حيث لا حدود أو قوانين..