sábado, octubre 10, 2015

نحن الجالسون على الأريكة محمد منصوري

نحن الجالسون على الأريكة

نحن الجالسون على الأريكة... نتابع مسلسلات الموت والدمار على القنوات الفضائية. نتألم في صمت، نغضب ونكيل الشتائم للذين يتآمرون على البشرية. الذين أباحوا قتل الأطفال وجردوا الإنسان من الإنسانية. نحن الجالسون على الأريكة... نقرأ المقالات، نحلل المؤامرات ونتنبأ بالنهايات. فنحن نعرف كل كبيرة وصغيرة في عالم السياسة والمال والأعمال، ولكن... ونحن جالسون على الأريكة.
عجيب حالنا! كيف صرنا نمضي معظم وقتنا في الجلوس على الأريكة وكل هَمِّنا هو أن نرى ونعرف كم هو حجم الدمار وكم بلغ عدد الضحايا. والمفارقة الغريبة هنا، أن حتى هؤلاء الضحايا الأبرياء ليسوا أفضل منا في شيء! فلو كنا مكانهم لكانوا هم من يجلس على الأريكة. ماذا عسانا نفعل إذن؟ نستبدل الأريكة بسرير مريح ونغطُّ في نوم عميق؟ أم نتجرد من كل وسائل الراحة ونلتحق بأرض المعركة؟ وحتى لو قررنا خوض المعركة، في أي صف سنكون؟ مع قوى الهدم أم مع قوى البناء؟
نحن الجالسون على الأريكة لسنا بالأشرار ولكن قد نساهم في الهدم عن قصد أو دون قصد بدعوى أننا نريد التغيير ولم نعد نتقبل واقعنا. قد نساهم في الهدم حين ننساق لدعوات التعصب والحمية، حين نجيز قتل من خالفنا في الرأي أو لم يساندنا في القضية. قد نساهم في الهدم إذا صرنا دعاة حرب باسم الدين والطائفية وظَنُّنَا أننا بذلك نشتري الحياة الأبدية. قد نساهم في الهدم حين ننتقد كل شيء حولنا ونعيش في عالم من السلبية، حين نهمل القدرات الوليدة ونستهزئ بكل المبادرات الفردية. فإن كنا هكذا سنسعى للتغيير فخير لنا أن نبقى جالسين على الأريكة.
نحن جالسون على الأريكة لأننا فقدنا أي حس حيوي بالهدف. شعورنا باليأس والعجز جعلنا نعيش حياة من اللامبالاة. فإذا استعدنا الأمل وقررنا أن نصبح بناة للحضارة العالمية وأردنا أن يعم السلام على الإنسانية علينا أن نجدد الثقة في القوى المرتبطة بعملية البناء وننضم لها كي تستمر في اكتساب القوة مهما بلغت آفاق المستقبل القريب من الكآبة والظلمة. فالحفاظ على البيئة، مثلا، ليس حكرا على هيأة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لأنه يعتمد في الأساس على تغيير جذري في سلوك الأفراد والجماعات وطبيعة العلاقة التي تجمعهم بالأرض والطبيعة، علاقة مبنية على الاستغلال المشترك المتزن وليس على الاستهلاك الفردي الجشع. فنحن اليوم قد نعتني بنظافة بيتنا ونرمي بالأزبال في الشوارع. ونتفنن في تزيين حديقتنا بالورود والأشجار ولا نبالي بالدمار الذي يلحق بالغابات المحيطة بنا. أما احتجاجنا على الأنظمة المستبدة ومطالبنا بالحرية والديمقراطية فيجب أن يبدأ من الأسرة التي ينفرد فيها الأب بكل دواليب الحكم وأخذ القرار وتعاني فيها الأم والأخت والابنة كل أشكال التمييز وعدم المساواة. لذلك صار لزاماً علينا أن نعيد صياغة المفاهيم التي شكلت فيما مضى معاييرنا الاجتماعية.
اليوم، نحن مقبلون على إصلاح شامل للمنظومة التعليمية. فإذا كنا مدركين أن التقدم يتحقق من خلال العمليات التعليمية التي تجعل المعرفة في متناول الجميع وتضمن ألا تبقى ملك أقلية ذات أفضلية، فهل نحن مدركون أن خطوة بهذا الحجم من الأهمية تستدعي مشاركة بناءة من كل أفراد المجتمع وليس فقط من لدى المؤسسات المعنية. أجل، إن التغيير البَنَّاء هو الذي يبدأ من الفرد ويؤسس لمفهوم "العائلة كوحدة" والتي تشكل اللبنة الأساس في بناء المجتمع. فمثلما تتوقف حياة كل خلية وكل عضو على سلامة الجسم ككل، كذلك يجب أن يُنشد رخاء كل فرد وكل أسرة في رخاء المجتمع بأكمله.
إذا قررنا أن نترك الجلوس على الأريكة علينا أن نعي أن القادم من الأيام فيه كثير من التضحية وبذل الجهد. فعلينا أن نشحذ الهمة لإزالة التعصبات المتأصلة في مجتمعاتنا لأن الروح الإنساني ليس له جنس ولا عرق ولا قومية ولا طبقة. علينا أن نقرر من الآن فصاعدا أن نتحرى الحقيقة في كل شيء ونجتنب التقليد وكثيرا من الظن، لأننا بذلك فقط نستطيع أن نمحو المعتقدات الخرافية والتقاليد البالية التي تعترض سبيل الاتحاد. إذا قررنا أن نترك الجلوس على الأريكة علينا أن نسعى لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل باعتبار الأمر ضرورةً وليس امتيازاً، فهما الجناحان بالنسبة للمجتمع بهما فقط يستطيع التحليق عاليا في سماء التقدم والازدهار. إذا قررنا أن نترك الجلوس على الأريكة علينا أن نعمل بجد لأن العمل الذي يؤدى بروح الخدمة هو بمنزلة العبادة، ولأن عبادة الله لا تتجلى فحسب في مزاولتنا لشعائرنا الدينية بل تبرز أيضا عند قيامنا بأعمالنا اليومية بمنتهى التفاني والإخلاص، وذلك فقط هو ما يعكس قدر تشبعنا بتلك التعاليم والقيم التي تدعو لها كل الديانات ويتوق إليها كل إنسان نبيل.
إن التمسك بالمثل العليا وتطبيقها في الحياة اليومية ليسا بالشيء نفسه. فتنزيل مثل عليا كهذه، وغيرها كثير، على أرض الواقع لن يتأتى بترديد الشعارات الرنانة، فهو يتطلب منا أن ننخرط جميعا في عملية "تَعَلُّم" طويلة المدى. الأمر منطقي، فبما أننا أطلنا الجلوس على الأريكة، علينا أن نتعلم كيف نقف من جديد ونبني مجتمعنا وألا نبقى فقط متفرجين... أقصد جالسين على الأريكة.