domingo, noviembre 27, 2011

دوحة سرمدية..! عبد اللطيف شهبون


دوحة سرمدية..!

عبد اللطيف شهبون

سلمتني سيدة الأفضال الدكتوره أمينة اللوه منذ مايقارب الحول بعضا من أشعار مخطوطة لزوجها المرحوم إبراهيم الإلغي، تعود إلى أربعينيات القرن الماضي.. وتدور موضوعاتها حول انطباع واصف لجوانب من حواضر تطوان، طنجة وشفشاون.
لفت نظري في النماذج المذكورة أن صاحبها وضع لها عتبات تأريخا لسلطان شاعريته.. وتوكيدا على أنها ضرب من مجاراة الخاطر.. ومسايرة ملكة الارتجال المودَعة أسرارُها في قلوب الصفوة.. وذلك فضل الله يوتيه من يشاء.
قال الإلغي في عتبة النموذج الأول: «وتحت هذه الظـاهرة الغريبة.. قلت الأبيات التالية من غير طول إمعان ولا كثـرة روية..» وقال في عتبة الثاني: «قلت.. وأنا بمقهى..» وقال في عتبة الثالث: «.. بعد أن أجلت الفكر.. (طُلب) مني أن أذيلها، فقلت..
وقال في عتبة الرابع: «.. فأجبتهم عفو الخاطر..»
في كل هذا البيان تأكيد قبلي ـ ضمني أو مصرح به ـ على صدور الأشعار الإلغية عن أجود ماخطر في قلب صاحبها.. وخروجها عن حدود الروية بما هي نظر وتفكير.. بل انهمار لبديهة، وتدفق لوجدان.. وهذا الحال من الإبداع الأصيل يذكرني بما خلده نقاد الشعر ـ خاصة الجاحظ ـ من اعتبار شعر البديهة أجود من غيره..
وأما التذييل بما يعنيه ـ في مقام وقول الشاعر إبراهيم الإلغي ـ من لَـحْقِ نص سابق توكيدا لأبنيته الدلالية.. فقد نأى فيه مِنْ مغبة السقوط في حرفية المحاكاة.. وأتى بتوليدات أُخَر!
هاتفت الدكتورة أمينة ـ حفظها الله ـ مساء الأحد تاسع ذي الحجة الجاري، مستفسرا عن حالها.. ومهنئا لها بالعيد.. فعاج بنا الحديث على موضوعات متشعبة.. منظومة في أسلاك أدبية وثقافية وصوفية.. وعندما توقفنا عند أشعار المرحوم إبراهيم الإلغي التي كان ينشدها مجاراة لفطرته الشاعرة.. أنشدتني من محفوظها مطلعا من نموذج له قاله متحسرا وهو على مشارف بلدته إلْغ..
وإعجابا مني لما قرأت وسمعت.. أنقل إلى هذا الحيز ماقاله في عاشر ربيع النبوي من عام 1358هـ :
«
زرت شفشاون الراشدية صحبة نخبة من أساتذة معهد مولاي المهدي بتطوان.. تلبية لدعوة آباء تلاميذ.. وكان احتفاؤهم بنا عظيما، لاسيما والفصل فصل ربيع، حيث تتفتح أكمام الزهر عن بنات خدورها المحجبات، فبدت شفشاون كأنها عروس زينت بمختلف الحلي من كل لون.. وعندما هممنا بالأوبة إلى تطوان تقدم إلي بعض الأبناء ملتمسين مني أبياتا كتذكار لزيارتنا هذه، فأجبتهم عفو الخاطر:
هي ذي شفشاون: روض عبق.. وزهر مبتسم.. وثراء نابض.. وأرض خضراء محلسة.. جادتْ سواقيها.. وآزر نَبْتَها نَفَأٌ مدْهامٌّ.. وهي في البدء والمنتهى روحُ تبرد كبدا.. حولتها الشاعرية الإلغية قصيدا يحلو سماعا.. ويعلي قدر ناظمه الذي سكب فيه من غيث بديهته.. فسرى في نفس متذوقه وعاشقها نُورًَا مُتَّشحًا..!