domingo, septiembre 28, 2008

عن المواطنة.. عبد اللطيف شهبون


عبد اللطيف شهبون

مواطنة مفهوم محدث يحيل على الوحدة الإنتمائية لساكنة وطن ما بغض النظر عن الاختلافات الإثنية والمذهبية والدينية... هذا المفهوم العلماني ارتبط بمفاهيم الليبرالية منذ القرن السابع عشر، وتطورت دلالته عبر التاريخ حتى قرننا الجديد في ظل تفاقم المشاكل الإثنية والصراعات ذات اللبوسات الدينية.. واكتساح العولمة الموظفة لثورة تكنولوجية واتصالية مذهلة..! والكلام عن المواطنة باعتبارها مفهوما يحيل على (المواطن)، من الفعل واطن بمعنى العيش في وطن واحد، والمواطن هو الشخص المتمتع في وطنه بحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. مع مايلازم هذا التمتع من واجب التعاون والتشارك في بناء الوطن والحفاظ على نظامه المجتمعي والدّوذ عنه وصيانة حريته واستقلاله. ثمة إذن ثنائية: الحق والواجب، وبالتالي فالمواطنة ليست شعارا للاستهلاك والترويج الإشهاري بقدر ماهي شروط يعيشها ويتمتع بها الفرد المواطن مع مايتولد عن ذلك من شعور بالانتماء إلى إطار حاضن ومجموعة متساكنة وهوية مميزة.. تسعى دول إلى بناء المواطنة باعتماد استراتيجيات التربية على المواطنة، بإحقاق الحقوق في سياساتها العامة بإلزام الواجبات. في هذا السياق يستوقفنا النموذج الأمريكي من خلال مثال محدد في منح الجنسية الأمريكية للراغبين في الحصول عليها، فالسلطات الأمريكية تشترط اجتياز امتحان «هو امتحان لأجل المواطنة«، تشرف عليه مصلحة الهجرة والتطبيع ومضامينه تشملها أسئلة كثيرة حول تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها السياسي وميكانيزماته وطرائق اشتغاله... الولايات المتحدة الأمريكية تفرض هذا الامتحان على الراغبين في الحصول على الجنسية الأمريكية حتى تتاح لهم المساواة الكاملة مع المواطنين «الأصلاء».. لكنها في الآن ذاته لا يعنيها في شيء أن تتحقق المواطنة خارج حدودها، لذا فهي لا تكف عن خوض حروب ضد شعوب ودول.. ساعية ـ في الظرفية الراهنة ـ إلى فرض نموذج مواطنة مختزلة للقيم، مفسخة للأنسجة، متجاوزة للتاريخ، مسرطنة للوحدات، مبشرة باقتصاديات منبنية على حسابات مدوّلة.. مواطنة بدون محتوى هويّاتي ـ مع العلم أن الهوية بعد لازم لأي مواطنة..ـ وبدون عمق اجتماعي وإنساني لأنها تضع الإنسان خارج أفقه الثقافي والتاريخي ومرجعياته البيئية واللغوية والعقدية.. مواطنة لا تشكل الأساس المطلوب للثقافة والنظام الديمقراطيين.. إذا كان الحديث عن المواطنة حديثا قيميا بالدرجة الأولى: فما أعظم الحكمة الإسلامية المستنبطة من كتاب الله الحكيم: الإنسان نفخ من روح الله.. والحرية هبة الخالق والعدل استواء الأمر على الكافة.. والأمن نعمة والشورى فريضة شرعية واجبة..! وما أروع التأويل الصوفي المستنبط من مدونات القوم حول ماهية «الوطن» إذ حيثما انتهى الحال بالعبد، واستقر به القرار يكون وطنه، هو وطن منفتح على أحوال الذات ومفتوح على أرض الله الواسعة..! وبهذه الرؤية الصوفية فقط يمكن بناء عولمة نبيلة.