lunes, diciembre 08, 2008

مع الخمارمع الخمار عبد اللطيف شهبون

مع الخمارمع الخمار

عبد اللطيف شهبون
برز اهتمام الأستاذ المرحوم محمد الخمار الكنوني بموضوع تحقيق المتون التراثية بعد منجزه العلمي في تحقيق كتاب «الوافي في نظم القوافي» للشريف الرندي سنة 1974.. ثم وسّع هذا الاهتمام وعمّقه سنة 1978 عندما اختار الاشتغال مع طلبة السلك الثالث بآداب فاس (تخصص: أدب مغربي وأندلسي) على تحقيق ديوان الشاعر محمد بن ادريس العمراوي في ضوء الضوابط المنهجية لعلم التحقيق: التأصيل والقراءة والمكملات.. وتتالت جهوده من خلال إشرافه على أطروحات اختارت متونا منتمية إلى عهد العلويين.. وفي سنة 1988 أشرف على تأطير دورة تكوينية في المنهجية نظمت بتنسيق بين آداب الرباط ومؤسسة كونراد أدناور الألمانية. وتعزز اهتمامه بموضوع التحقيق في مساهماته المتميزة ضمن عضوية لجن مناقشة الرسائل والأطاريح..وفي استشارات الباحثين له في الدقائق والحقائق.. 2 ـ كان محمد الخمار الكنوني مقتنعا بأن تحقيق النصوص ـ فضلا عن كونه منهجا لتأصيل علم صحيح ـ يخدم مقاربة النصوص في ضوء البنيوية التكوينية أو الواقعية الاشتراكية أو الأسطورية أو التداولية أوالتاريخية، لأن مقاربة لا تقوم على نصوص محققة تحقيقا علميا هي في نهاية المطاف بل أوّلِه مبتورة.. وما يوازي هذا المنظور عنده موقفه من الأدب المغربي، فقد آمن أنه جزء من الأدب العربي، لكنه ليس صدى له بالضرورة .. ودافع عن هذه الأطروحة بحصافة رأي في حلقات التدريس.. وفي مناقشة الأطاريح.. وفي أحاديثه المقتضبة مع بعض أصفيائه.. وكان يرفض قراءة الإرث الشعري المغربي بعيون مشرقية مدافعا عن حق وجود هذا الإرث الفني الذي ينعت ظلما بالقصور والدونية.. وفي هذا السياق نَحَتْ مرافعتُه العلمية منحى كشف الحجاب عن مفهوم الانحطاط.. قائلا: إن الشعر المشرقي اتجه عموما وجهة مخالفة قائمة على بلاغة: السلطة، المرأة، الخمر.. في حين قام الشعر المغربي في معظمه على بلاغة: الله، الرسول، الولي.. في البلاغة الأولى تستنفرُ آليات الاستعارات والمبالغات، وفي البلاغة الثانية تستدعى آليات المكاشفة والجهر، فتأتي الوظيفة الكشفية للرمز لتقيم وحدة بين الرمز والمرموز إليه، وتكون العلاقة بينهما علاقة هوية وليست علاقة تمثيل.. وهذه ملاحظة في غاية الدقة يدركها أهل الذكر.. كان قصدي من هذه اللمحة الخاطفة أن أجلّي جانبا من جوانب شخصية علمية خفت ضياؤها عنا.. ولم يبْق لنا منها سوى الذكريات.. 3 ـ صنع محمد الخمار عبقريته بعصاميته وموهبته.. لم يكن صنيعة.. أو بوقا.. لأنه قال لنا قبل رحيله: «أنا لا يمكن أن أقف على باب أحد..». تحية مجددة لجمعية الامتداد بالقصر الكبير لأنها ردت بعض الاعتبار لهذا الإنسان الزاخر قلبه بالدفء.. فاستأنفت حكم صاحب مرآة المحاسن(1) وصاحب المحاضرات(2) وصاحب النفس النفيس في ترجمة الوزير ابن ادريس(3) القاضي بأن المغاربة لا يهتمون برجالاتهم. 4 ـ.. إلى روح أسـتـاذي وصديـقـي محمـد الخمار الكنـوني في جهره قبل صمته هذا البوْح:
جُلُّ الذين أحبُّهُمْ
شدُّوا المطيَّ، وأسرجوا خيْلَ الوداعْ.. جلّ الذين أحبُّهُمْ قدْ بادرُوا.. يتساقطون يتسابقُون.. في عزفِ ألحانِ الفجيعةِ بالغياب..! مازال يلبسني الغيابْ
ـ محمد العربي الفاسي
ـ الحسن اليوسي
محمد الحجوي الثعالبي