المقدس الديني, والمقدس البشري في شعرنا القديم
د.عبد السلام شقور
صدر أخيرا (ديوان) للشيخ أحمد بن عبد القادر التستاوتي في جزئين يحتويان على 963 صفحة بعناية الدكتور عبد اللطيف شهبون إذ قام بجمع نصوصه وتحقيقها مع وضع مقدمة للديوان.
وعمله هذا ثمرة جهد كبير أخذ من عمره سنين. وللإشارة فإن للدكتور عبد اللطيف شهبون دراسة لشعر التستاوتي نشرت كذلك، وبذلك يكون الأستاذ عبد اللطيف قد انفرد بالعناية بشعر التستاوتي تحقيقا ودراسة إضافة إلى جهده العلمي في جمع نصوص شعر التستاوتي.
والمعروف عند المهتمين أن تحقيق النص هو القراءة النقدية الأولى الموجهة للقراءات النقدية التالية، وهكذا نستطيع القول بأن شعر التستاوتي حظي بما لم يحظ به إلا القليلون من شعرائنا القدامى، وبعد اطلاعنا على شعر التستاوتي أمكننا تسجيل مجموعة من الخواطر في الأسئلة التالية.
ماحد الشعر عندهم في زمن التستاوتي؟ وهل تتعدد مفاهيم الشعر بتعدد الثقافات فيكون لثقافة ماحد خاص للشعر ولثقافة أخرى حد آخر، وإذا كان الأمر كذلك فهل يصح لنا أن نقرأ شعر التستاوتي انطلاقا من حد الشعر عند المشارقة في عصورهم الزاهية؟
إن المتأمل في تاريخ الشعر العربي يلاحظ أن الشعر العربي ارتبط في كثير من نصوصه، إن لم نقل في جلها، بالمقدس، إما في أصله الديني الخالص، وإما في صورته البشرية.
ومن ارتباط الشعر بالنص المقدس الخالص ماصدر عن الشعراء في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي التوسل، ومن ذلك كذلك مااصطلح عليه بالشعر الصوفي. أما ما يندرج تحت ماسميناه بالمقدس البشري فهو مااصطلح على تسميته بالمديح التكسبي، وهو شعر ينصرف فيه القول إلى مدح الحكام ومن على شاكلتهم وفي مستواهم، وكان هذا الشعر ومايزال يتعرض لانتقاد شديد انطلاقا من المفهوم الأخلاقي للشعر ومفهوم الصدق والكذب في الشعر، وإن كان في ذلك نظر. فهذه روائع الأعمال الفنية في الرسم والموسيقى والنحت في الغرب مما خص به الفنانون مخدوميهم من الملوك والأعيان كانت وماتزال تحظى بعناية كبيرة لدى الغربيين. ومايهمنا تسجيله والوقوف عنده هو كون الشعر العربي، إنما كان ارتباطه بالمقدس في صورته البشرية بشكل أكبر في القرون الستة الأولى، فشعر المديح التكسبي إنما ازدهر في العصرين الأموي والعباسي.
ومعلوم أن شعراء العربية الكبار، أمثال المتنبي والبحتري وأبي تمام، لم ينظموا شعرا في الربانيات والنبويات وماشابه ذلك، أما الشعر الذي ارتبط بالمقدس الديني متمثلا كما قلنا في النبويات والربانيات وما إليها، فإنه ظهر في القرن الخامس، وازدهر بعد ذلك في القرون اللاحقة. إن تفسير هذه الظاهرة في شعرنا تحتاج إلى مجال خاص، ولعل الأمر في ذلك يرتبط بالتحول الكبير الذي شهده العالم العربي بداية من القرن الخامس.
وفي ضوء ذلك يجب فيما نرى أن نقرأ شعر التستاوتي وأضربه مع استحضار سؤالنا السابق: هل حد الشعر مرتبط بالثقافة التي أنتجته وبالعصر بكامل أبعاده الذي ظهر فيه.؟ هذه خواطر وتساؤلات لعلها تكون موضوع مناقشات، والقصد منها إثارة عناية المهتمين بالشعر المغربي القديم.
وأخيرا فلا نملك إلا أن نهنئ صديقنا الدكتور عبد اللطيف شهبون بهذا الإنجاز العلمي الذي وظف فيه كل إمكاناته العلمية وقرأ هذا الشعر مستأنسا بحسه الشعري.