مصطفى محمد أبو السعود
فوضى المفاهيم
يقول أهل المنطق أن اللغة هي الفكر المنطوق وأن الفكر هو اللغة الغير منطوقة أي أن هناك علاقة نسب بينهما ولا مجال لفض العقد التزاوجي الأزلي الأبدي بين الطرفين، لكن يمكن أن يحدث تفاوت في تأثير احدهما على الأخر وقوة تأثير هذا الطرف بذاك ويرجع ذلك أحيانا إلى قوة التدخل الخارجي الذي يأمر احدهما بالاستجابة للأخر بنسبة يقررها هو ( العامل الخارجي) فلا يخفى على احد ما للسياسية من سلطة لامحدودة على اللغة والفكر، فالسياسي يطلب من أهل اللغة إيجاد الألفاظ المناسبة التي يمكنه إطلاقها لتعبر عما في نفسه وعقله من رغبات وأهواء ثم يعطي الضوء الأخضر لأهل الفكر ليشرحوا معنى تلك المصطلحات وتبرير أسباب استخدامها والفائدة المرجوة منها ثم يعودوا للغة ليكتبوا بحروفها استحقاق احدهما على الأخر.
هذا ما هو ملاحظ في عالم اليوم الذي أصبحت المصطلحات بكافة أصنافها تزاحم الناس في كل شئ حتى أن الناس لا يكادوا يفهموا معنى مصطلح حتى يطل آخر من النافذة ، ولان الإعلام هو الحكم الفصل وصاحب القدرة على تعويم العقل البشري فقد أعطى مساحة كبيرة لمساعدة كافة الأطراف في جعل هذه المصطلحات صديقة ومألوفة للناس تشرب معهم وتأكل معهم وتنام معهم وترفرف كل صباح أمام أعينهم كطائر يغرد بها إذا التقى بأحد من أهله أو جيرانه أو أصدقائه.
كثيراً هي المصطلحات التي يحاول الإعلام تسويقها وكأنها ذات جدوى وخاصة تلك التي تطبخ في المطابخ الغربية فالعولمة التي تسوق على أنها انفتاح الجميع على الجميع من اجل الجميع فإذا هي (وأمام سحر الحضارة) إقرار من الجميع لسيد ة الكون بإمكانية التأمل في كل شئون حياة الأفراد، والاتفاقيات الاقتصادية تروج على إنها مبشرة بالرخاء فإذا بها تتحكم في عدد الوجبات التي يتناولها المواطن العربي، والاتفاقيات السياسية تروج على أنها تعزيز التعاون فإذا بها تعزيز الانبطاح ، والتعاون الثقافي تعارف على العالم فإذا به إسقاط في مستنقع الرذائل ، والبعثات التعليمية تهدف لإكساب معارف جديدة فإذا بها تلغي الخصوصيات الجماعية وتمسحها من ذاكرة أصحابها،والإرهاب الذي يسوق على انه محافظة على الأمن العالمي فإذا هو يقتل الجميع دون شرع أو أدب،والتنسيق الأمني الذي يسوق على أنه ضرورة لكل الأطراف فإذا به يضع المؤسسات الامنية الدولية في جيبة وزير الخارجية الأمريكية ، و أن الاحتلال أصبح تحريراً ، والاستسلام لرغبات الاحتلال يسمى تعاون مع الأسرة الدولية والقرارات الأممية،والإساءة للإسلام حرية تعبير عن الرأي ، ورسول الرحمة اكبر إرهابي في التاريخ ،والقران الكريم لم يعد ملائما للعصر الحالي، والسفور أصبح تحرراً، والعري صار ثقافة والزنا حرية شخصية والمشروبات الكحولية تسمى بالمشروبات الروحية والتمسك بالدين رجعية والمقاومة إرهاب والاستشهاد انتحار،وجنازة احد علماء الأمة لا يراها احد ولا يسمع بها احد، اما أغنية هابطة فإنها تعاد في بعض القنوات العربية اكثر من عدد الذين قتلهم الاحتلال.
لقد آن الأوان للمجتمعات العربية أن تفتح عهداً جديداً مع ثقافتها الأصيلة وتخرج المصطلحات المشرفة من ثلاجة الماضي وتضعها أمامها على طاولة البيت كل صباح لتقتبس من نورها وتسير بهداها وإلا فإن العالم سيصبح اكثر فوضى في ظل عنوان المقال.