كتاب الموريسكيون
في المغرب للمؤرخ الإسباني غييرمو غوثالبيس
بوسطو
د. نجيب الجباري
يضم الكتاب بين دفتيه 445 صفحة، من الحجم المتوسط، أهداه
صاحبه إلى مدينتي تطوان وغرناطة، ويشتمل على تمهيد وتسعة فصول، تناول في كل فصل
موضوعا مفصلا عن قضية من القضايا المتعلقة بحياة الموريسكيين في المنفى وخصوصا في
مدينة تطوان شمال المغرب.
ومما جاء في التمهيد الذي ركز فيه على الموريسكيين في
المغرب (جوانب من حياة المنفى) بحيث لاحظ أنه توجد فترتان من المنفى الاسباني-
الاسلامي في شمال افريقيا يسترعيان اهتمام المؤرخ بصفة خاصة، وهما: سقوط مملكة بني
نصر وطرد الموريسكيين 1609-1614 م، بالرغم من أنهما كانا حدثين أساسيين في تحول
الشعوب في كلتا الضفتين من مضيق جبل طارق، ولكن كان ينظر إليهما بطريقة انحيازية
وحربية، حيث أخذت في الاعتبار المظاهر الدينية والاقتصادية والاجتماعية لهذه
الأحداث، من وجهة نظر واحدة فقط، ألا وهي وجهة نظر المنتصرين، بقي المنهزمون الذين
تم تهميشهم فيما بعد دون تاريخ، كما يحدث عادة في كل أزمنة الأحداث الإنسانية. ولا
يعني هذا أن المنفيين لم يؤثروا كثيرا في البلاد التي وصلوا إليها، ولكن لم يهتم
أحد لا من هنا ولا من هناك بأن يبرز أفعالهم ولا انتصاراتهم أو فشلهم، بصعودهم أو
هبوطهم، بحياتهم التي اقتلعت في النهاية بمنتهى القسوة من وطنهم، ومن ثم من
عائلاتهم ذاتها. ويستعرض ظروف خروج الإسبان المسلمين الجماعي بعد سقوط غرناطة،
ووصولهم إلى المغرب واستقرار العديد منهم في المنطقة الشمالية منه، وخصوصا مدينة
تطوان ونواحيها والتي خصص لها الفصل الأول من الكتاب والمعنون ب "تطوان من
قرن المنظري إلى عائلة النقسيس من القرن 16 إلى ق17 م"، تطرق فيه إلى الدور
الحاسم الذي لعبته مدينة تطوان والتي تبعد بأربعين كيلومترا عن مدينة سبتة، في
التغييرات التي حدثت في مضيق جبل طارق في كل العصور، وبالأخص بداية من إعادة
تأسيسها على يد المنفيين الغرناطيين حوالي عام 1485 م بقيادة قائدهم أبو الحسن علي
المنظري الذي دخل في حرب مع البرتغاليين الذين كانوا يحتلون مدينة سبتة إلى أن حصل
على إذن بالاستقرار في تطوان التي أعاد تأسيس أطلالها ومنازلها وأسوارها وأبراجها،
واستقبل التوافد المستمر والمكثف للمهاجرين الغرناطيين إلى أن أصبحت مدينة ذات
كثافة عمرانية عالية، ومع تزايد أعداد المهاجرين وخصوصا بعد سقوط غرناطة ومحاكم
التفتيش، ظهرت عائلات كبيرة وذات نفوذ، دخلت في حروب أهلية غرناطية في تطوان، ومع
عائلات مغربية وفدت على المدينة من جبال الريف وجبالة من أجل السيطرة والحكم
(عائلة النقسيس، الرواشد، البسطي، أولاد بو حسن، الديب والغماري وبني سراج) مما
مهد لهجوم اسبانيا على القرصنة التطوانية ابتداء من القرن 16 م.
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلف للمجتمع
الغرناطي النصري في المنفى، فتناول فيه نشأة مملكة غرناطة، والمجتمع الغرناطي
المؤسس على سيطرة الاستقراطية الحربية القائمة على تسلط بعض العائلات على الأخرى
وظهور العصبيات التي أدت إلى التدمير والركود في البلد، يتساءل الكاتب هل انتقلت
تركيبة هذا المجتمع إلى الأراضي الإفريقية عندما ساعدت الهجرة في خلق جماعات ذات
حكم ذاتي ومستقلة فعليا مع إنشاء مدن ذات طابع غرناطي واضح؟ وكيف كان هذا المجتمع
الغرناطي في المنفى وبالضبط بتطوان المغربية؟
يعلل الكاتب إجابته بنقص في المصادر الإسلامية والمسيحية
التي تفيدنا في هذا الموضوع.
فأما المصادر المسيحية فقد تجاهلت المنهزمين عندما
اجتازوا المضيق، وأما المصادر الإسلامية فقد تجاهلتهم بسبب فقر المصادر التاريخية
في تلك البلاد والمشاكل السياسية والاقتصادية التي كانت تعاني منها من الوافدين
الغرناطيين، ولم تهتم بهم كجماعة من المنفيين الذين استقروا في مدينة تطوان
والضواحي المجاورة لها.
يحدثنا الكاتب عن الخصائص الأولية التي ميزت المجتمع
الذي حاول الغرناطيون إعادة بنائه في الأرض التي استقبلتهم، حيث وجد رئيس حرْبي
تجمّعت تحت قيادته مجموعة من النبلاء الغرناطيين والذين، كما ابتعد رئيسهم،
ابتعدوا هم أنفسهم عن أي حرب أهلية لا يقتنعون بها، وأي
حرب دينية أخرى يعتبرونها خاسرة، وأول شيء قاموا به هو تحصين أنفسهم بالأسوار
والخنادق التي أعطتهم قدرا من الأمان الذي سيمتد عبر الزمن بكل ما يعنيه من معنى،
الأمر الذي جعل من تطوان مدينة غرناطية محضة. ويؤكد المؤلف هنا على الاستقبال
الجيد الذي حظي به الغرناطيون من قبل السلطان ومن قبل غالبية السكان في المنطقة
الشمالية، والذين كانوا: «فقط يرغبون في العيش في سلام، وكانوا يشترون هذا السلام
من المسيحيين بثمن غال جدا بالتأكيد» (ص 69).
هكذا تحولت المدينة إلى حامية لعدد كبير من المهاجرين
على اختلاف طبقاتهم فتكدس فيها الصناع والتجار والقضاة وكل سلسلة الطبقة الوسطى،
وقرر الجميع أن يعيد بناء سور المدينة وإنشاء أحياء جديدة أكبر سعة في الغرب وفي
الجنوب، وكان عليهم أن يحاربوا برا وبحرا للحصول على الغنيمة المشكلة من الأسرى
والسبايا الذين كانوا يقعون في أياد القراصنة الغرناطيين الذين شكلوا طبقة حاكمة
من الملاك للعبيد والاتجار فيهم.
ويمكن القول بأن القرن الأول لإقامة المورسكيين بتطوان
شكل فترات ذات طابع غرناطي صافي، فيما عدا العلاقات المتفرقة مع طبقة الشرفاء في
المدينة. ويتساءل المؤلف قائلا: «إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف نفسر أن هذه
العائلات التطوانية من سلالة مملكة غرناطة لا زالت تتذكر ليس فقط بفخر، ولكن أيضا
بحنين لا يقاوم أنهم وارثوا ذلك الماضي» (ص 76).
هكذا استقر في تطوان عدد كبير من الموريسكيين الغرناطيين
وسكن معهم أناس من فاس فتصاهرت الأسر واختلطت، وتم تقليد العادات الغرناطية في
طريقة العيش ونمط الحياة واللباس والمأكل وطريقة التحدث والكلام تطبع الجميع
بالصبغة التطوانية الخاصة، حتى أصبح من الصعب التمييز بدقة بين من هو غرناطي ومن
هو فاسي أو ريفي أو جبلي، انصهر الكل في بوتقة واحدة وتحت قيادة روحية واجتماعية
واحدة.
أما الفصل الثالث تناول المؤلف دراسة موريسكية لأسماء
الأشخاص في المغرب، وهو في اعتقادي أهم فصل يلامس قضية الموريسكيين بالمغرب، وبدأه
بالحديث عن الذين سكنوا تطوان، فلاحظ أن بعض الأسماء القشتالية لعائلات كانت ولا
تزال موجودة في المدينة، وأنه منذ وقت ما جمع 169 اسما لعائلات أندلسية عاشت وما
زالت تعيش في المدينة، ورغم ذلك هناك انطباع بأن هذا الرقم لم يكن كاملا وإنما كان
مجرد رقم بياني لهذا العدد الهائل من العائلات الإسلامية الاسبانية التي استقرت في
المغرب بعد عبورها مضيق جبل طارق، وحتى دخول القرن 20 لم تكن هناك نية لجمع أسماء
العائلات في مدينة تطوان يمكن أن تكون مرشدا للدراسة التي تهمنا، فخلال خمسة قرون،
منذ أن بدأ الغرناطيون الهجرات الجماعية إلى المغرب وإلى الآن فقد الكثير من
الأسماء الأصلية، واندثرت ولم يعد لها أثر نتيجة حروب أهلية أو انتقامية.
وأغرب ما لاحظه المؤلف في هذا السياق، أن العائلات تحتفظ
بذكرى أسلافها الإسبان وذكرى الوطن البعيد، دون أن تفقد اسما مسيحيا كما هو الشأن
في طوريس TORRES أو مراليس MORALES أو بايثا BAEZA أو غارسيا GARCIA. والتي لا
ترتبط بأي مضمون ديني أو عنصري، ولا يفصله عن إسلامه العميق أو عن مغربيته
الذاتية، كان هؤلاء الذين يذكرون أسلافهم الإسبان، فخورين بأصولهم العربية، وقد
تعرف المؤلف شخصيا –عاش طويلا في تطوان- على عدة أفراد كانوا يلقبون بلقب (أندلسي)
مثل (المالقي) نسبة إلى مالقة والكاثري CACERES ولورقي LORCA والركاينا REQUENA وغير ذلك من الألقاب.
وبناء على ذلك، فقد أورد مجموعة من الأسماء المغربية من
أصل اسباني واعتمد في ذلك على مراجع عدة منها: عمدة الراوين في أخبار تطاوين لأحمد
الرهوني، وتاريخ تطوان لمحمد داود فضلا عن إحدى محاضرات جبور عدي التي ذكر فيها
أسماء أسر أندلسية ذات الأصل الاسباني في تطوان، ومحمد بن عزوز حكيم الذي نشر
مؤخرا قائمة طويلة من الألقاب التطوانية ذات الأصل الاسباني، وقام بنشر قائمة
تتضمن 1028 اسما (من ص 99 إلى 142).
ويستشهد المؤلف بالمؤرخ مارمول لإثبات أن العديد من
المجموعات الموريسكية التي أقامت كريفيين ويقول في وصفه لمدينة مراكش أن «المسلمين
الأندلسيين الذين مروا من أورخيبا Orgiva وتابرنا Tabernas وأماكن أخرى من مملكة غرناطة قد أنعم عليهم الشريف بقطع
من الأراضي»(ص 96).
وأما الفصل الرابع من الكتاب فقد حصره المؤلف في الحديث
عن المظاهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للموريسكيين في المغرب، وبدأ
بالتمييز بين فترتين في دراسة الموريسكيين في المغرب تتزامنان مع أكبر حدثين أثرا
فيهم، يتعلق الحدث الأول بسقوط آخر مملكة إسلامية اسبانية، والثاني هو الذي فرض
نهاية المشكلة الموريسكية في شبه الجزيرة، بالطرد أو بسلسلة قرارات الطرد الصادرة
من عام 1609 حتى 1614 م. وفي كلتا الفترتين كان يرحب بهم بحفاوة في الأراضي
المغربية، بالرغم من ظهور بعض مظاهر الرفض وعدم التكيف، في كلتا اللحظتين وجد
المنفيون الذين يمثلون توجهات فوضوية سياسية والذين سهلوا إقامة مجموعات مستقلة من
الموريسكيين. ومن ناحية أخرى، ربما صعبوا مسالة اندماجها السريع جدا، ولم ينتفعوا
بالثروة البشرية التي كانوا يمثلونها.
كثيرة هي الدراسات عن الموريسكيين في أراضي المنفى التي
ظهرت في فترات مختلفة والتي أطلعتنا على القوة الحيوية الرهيبة لتلك الأقلية
الإسبانية التي شكلت في أحيان كثيرة بناءات اقتصادية واجتماعية وسياسية في البلد
الذي كان يؤمهم.
ولاحظ المؤلف أن قلة الاهتمام بدراسة الموريسكيين ترجع
إلى قلة المصادر، فلا يوجد في التاريخ الاسباني ولا المغربي عناصر كافية تساعدنا
على معرفة تطور حياة هؤلاء في وطنهم الجديد، ولهذا يجب الاستفادة من أي توثيق، وإن
بدا لنا غريبا، بهدف استخراج المعلومات التي تجعلنا نكون مخططا سليما لنظرة صحيحة
للموضوع الذي يشغلنا.
لقد عاش الكثير منهم في سلام على مر العصور، وتكيفوا
بدرجة أو بأخرى مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية. أما على المستوى الديني، فقد
وجد أولئك الرجال عندما وصلوا إلى المغرب إسلاما خاصا مختلفا كثيرا عن الدين الذي
كانوا يحاولون ممارسته سرا في شبه الجزيرة.
كما تحدث المؤلف في هذا الفصل، عن مدينتين وهما تطوان في
الشمال، والرباط في الوسط كنموذج للمنفى الموريسكي في المغرب، وما تلا ذلك من
أحداث تاريخية مهمة في القرنين 16 و17 م وتطورات سياسية واجتماعية واقتصادية.
مستنتجا أنه: «يمكن أن تكون تطوان في الشمال والرباط في الجنوب أمثلة للمنفى
الموريسكي في المغرب لم يحظ هذا المنفى بكثير من الدراسة حتى يومنا هذا» (ص 154).
ولا يشك المؤلف في كون عائلة النقسيس بتطوان قد ارتبطت
بعائلات موريسكية من المدينة، ومثلت نموذجا للعبور من فترة غرناطية صافية إلى فترة
أخرى تميزت باختلاط العناصر دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان التقاليد الأندلسية القوية
التي كانت تنطبع على مدى قرون في المدينة.
وفي الفصل الخامس تناول المؤلف التعايش اليهودي
الموريسكي في المنفى، حيث أشار إلى أن اليهود قد تعرضوا للطرد من شبه الجزيرة،
وكان مصيرهم مشتركا مع المسلمين، واستقرت طائفة منهم مدن المغرب كتطوان وفاس
وشكلوا تجمعات سكنية مهمة، وشاركوا في تأسيس مدينة شفشاون وتعايشوا مع السكان
الأصليين إلى جانب رفاقهم في المنفى، وذكر المؤلف ابتهاج المسلمين واليهود لهزيمة
الملك سبستيان في معركة وادي المخازن، وأقام العبريون احتفالا خاصا وبرروا فرحتهم
من احتمال مضايقتهم عبر محكمة التفتيش، ويؤكد المؤلف في هذا الفصل، على أن الأقلية
اليهودية الاسبانية
المنفية في شمال المغرب كانت تتعرض لتقلبات المنفى دون
أي تمييز فيما يتعلق بالمحن أو بالمنافع مع مواطنيهم الإسبان المسلمين، وكانوا
-بالإضافة إلى ذلك- يتحركون في حرية تامة من مكان إلى آخر لكي يقوموا بمعاملاتهم
التجارية بطريقة أفضل، واستمروا على ذلك لقرون، ولا يزال تجمع اليهود في مدينة
تطوان يحتفظ بشهرته كواحد من أكثر التجمعات ثراء في المغرب، بالرغم من تغير الظروف
من الفترة الأولى إلى الفترة الثانية من المنفى الموريسكي، ونالوا حظوة عند حكام
المدينة، فقد تبوأ بعضهم مناصب مهمة داخل السلطة الحاكمة.
ومع بداية القرن 17 يبدأ عصر عائلة النقسيس، ولم تكن
ديكتاتورية شخص أو أفراد متتابعين من نفس العائلة، بل كانت السيطرة السياسية
والاجتماعية لهذه العائلة، خلال القرن كله في تطوان بل وفي شمال المغرب، مع بداية
ازدياد المهاجرين الموريسكيين على مدينة تطوان نتيجة قرار الطرد سنة 1609-1416 م
اتسعت المدينة تجاه الغرب والجنوب، فشيدت المساجد الجديدة والأسواق والحمامات
والأسوار والأبراج الدفاعية والأبواب والنافورات والعديد من المباني التي شكلت
شوارع، بعضها ذات طول غير مألوف، وقد تجمعت عائلة النقسيس في أحد الأحياء المجاور
لشارع (المقدم) الطويل الذي سمي هكذا تخليدا له، كما أنشأوا مساكنهم في الشمال
الغربي من قصبة المنظري في الفراغ الكبير أمام التحصينات، واستمروا في سيطرتهم على
المدينة إلى أن أعدموا في عهد السلطان اسماعيل العلوي ودفنوا في باب المقابر
بالمدينة.
لقد توقف المؤلف مليا عند العمارة الموريسكية في تطوان،
من مساجد وأسواق وحمامات وأبراج دفاعية وأبواب ونافورات والعديد من المباني تعكس
بدرجة دقيقة ما وصلته العمارة الموريسكية من جمال وروعة. أما على المستوى الديني
فيعتبر القرن السابع عشر عصر الإنشاءات الدينية الأكثر أهمية وربما الأكثر جمالا
في تطوان.
كان المغرب في بداية القرن 17 شبه معزول عن العالم
الخارجي، وبوصول موجات كبيرة من المهاجرين والمرتدين إليه انتقلت إليه لمحات من
التقنية الغربية التي كانت كافية لإبعاد المغرب عن الدول النامية من حيث التقدم،
وكان أغلب الموريسكيين الذين وصلوا إليه سنة 1610 م من أندلوثيا وقشتالة وأكستريما
دورا، وقد وصلوا في وقت كان فيه الوضع السياسي خطيرا جدا، حيث مات أحمد المنصور
الذهبي وما تبع ذلك من أحداث وصراعات سياسية بين المولى الشيخ وأخيه المولى زيدان
ثم لجوء الأول إلى العرائش وبعد ذلك إلى اسبانيا لطلب الدعم مقابل تسليم العرائش
عام 1610 م، ثم بعد موت أخيه أصبح المولى زيدان عدو اسبانيا -الملك الوحيد-.
أما العدد الإجمالي للموريسكيين الذين وصلوا إلى المغرب
فقد بلغ 40 ألفا بقي أغلبهم على مشارف سبتة وتطوان وغيرها من الموانئ القريبة من
مضيق جبل طارق. وقد جنّد المولى زيدان عدة آلاف من الموريسكيين في حربه ضد أخيه
المولى الشيخ وعندما هزم هرب الموريسكيون إلى الجبال، أما الذين لم يشتركوا في
الحرب فقد اختلطوا بالسكان المدنيين في طنجة وتطوان والعيون وفاس وسلا والرباط.
يتحدث المؤلفان عن وجود مظاهر الفن الإسلامي الموريسكي
في المغرب وهو موضوع لم يكن مطروقا في الدراسات الموريسكية. إن جزءا كبيرا من
الموريسكيين قدم دلائل على حبّه الدائم للحضارة والثقافة والعمارة الإسلامية.
ففي تطوان، وهي المدينة الأكثر تمثلا للطابع الأندلسي
الكبير، وهي أيضا الإقليم الأقرب إلى اسبانيا والمشابه في كثير من المجالات
المعيشية ومن ناحية السلالة. فقد تم بها إنشاء حيين سكنيين (العيون والترانكات)
لإقامة المهاجرين نتيجة طرد عام 1609 م، وفي ثلاثين عاما أنشأوا خمسة مساجد تحت
إدارة شخصية أندلسية مهمة هي المعلم الجواعيدي وإليه ينسب أيضا إنشاء المئذنة
الهيفاء لجامع العيون، ولم يقتصر أثر الفن الإسباني الموريسكي على المدن الساحلية،
بل وصل حتى مدينة العيون.
أما الفصل الحادي عشر فيتناول فيه الكتاب الفضاءات
والأماكن التي هاجر إليها الموريسكيون مثل فرنسا وإيطاليا وتركيا وشمال إفريقيا
المسلمة.
والذي يهمنا من هذه القراءة هو هذا الجزء الأخير من
المهجر الموريسكي وأعني به شمال افريقيا وبالضبط المغرب، وذلك لأن هذا البلد هو
الأقرب إلى اسبانيا والمشابه في كثير من المجالات المعيشية ومن ناحية السلالة، وهو
منذ زمن بعيد يستقبل جماعات من الأندلس، وكل إقليم أو مدينة احتلها المسيحيون تعني
هجرة جديدة يزداد معها فقر الأندلس وغنى البلد المستقبل الذي يحتضن حرفيين وتجارا
وعلماء ورجال سياسة ودولة.
أما العدوتان الرباط وسلا فقد ازدهرتا واشتهرتا مع قدوم
الموريسكيين. وكان أول من وصل إليهما الهورناتشيون الذين كانوا يمثلون فريقا
متماسكا من الناحية الاجتماعية إلى جانب ثباتهم على الإسلام وشجاعتهم، وقد أبحروا
من اشبيلية في اتجاه سبتة حتى استقروا في تطوان، وبعد ذلك في درعة، ثم بعد ذلك
انتقلوا إلى الرباط وسلا للاستفادة من كفاءاتهم السياسية والحرفية والصناعية مما
أدى إلى ازدهار حقيقي في شتى المجالات. كما تمت المحافظة على بعض الألقاب العائلية
وإن كانت اللغة الاسبانية لم تستعمل فإنه بقي عدد لا نهائي من الأشياء المادية
والعادات التي تم ترسيخها في التربية المغربية، كما توجد أطعمة ذات أصل أندلسي
وكذلك وصفات الحلوى التي تصنع من الدقيق، والعسل، أو السكر، كذلك يتجلى الأمر في
واجهات البيوت المصنوعة بقوالب الطوب تذكر بمنازل المدجنين في أراغون.
وعلى الرغم من حبّهم الشديد للعزلة فإن بعض عادات
الموريسكيين قد انتقلت إلى بقية السكان.